الحكومة المؤقتة في بنغلاديش بقيادة محمد يونس، طالبت الهند بتسليمها الشيخة حسينة واجد، رئيسة الوزراء السابقة، إلا أن سلطات نيودلهي لم تستجب. كذلك طلبت محكمة خاصة تتعامل مع اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من «الإنتربول» القبض عليها.
الشيخة حسينة واجد (د ب ا)
الشيخة حسينة واجد (د ب ا)
أفراد أسرة الشيخة حسينة - التي هي ابنة مؤسس بنغلاديش الشيخ مجيب الرحمن وأول قادتها – يقيمون راهناً خارج بنغلاديش مع العديد من قادة «رابطة عوامي»؛ الحزب الحاكم (يسار الوسط) سابقاً، والوزراء السابقين. وثمة آخرون إما في السجن أو مختبئون. في حين اعتقلت الحكومة المؤقتة الآلاف من مؤيدي حسينة، وحظرت كل نشاطات جماعاتها السياسية والطلابية والاجتماعية بجميع أشكالها.
من كان وراء الانقلاب؟
من جهة ثانية، التساؤلات مستمرة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية التي افترضت لنفسها مسؤولية فرض الديمقراطية على النمط الغربي على بقية العالم، وراء مؤامرة الإطاحة بنظام حسينة.
فيينا سكيرل، المفوضة السامية السابقة للهند لدى بنغلاديش، تقول إن «الحكومة المؤقتة، بقيادة محمد يونس، وصلت إلى السلطة من خلال انقلاب مدبّر بعناية؛ إذ كانت بعض القوى الغربية غير راضية عن عودة حسينة إلى السلطة في انتخابات يناير (كانون الثاني) 2024، ثم إن محمد يونس الذي عُيّن رئيساً مؤقتاً لبنغلاديش، والذي كانت علاقته مع حسينة متوترة منذ فترة طويلة، جمعته علاقة وثيقة بأطراف في إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن».
البروفسور محمد يونس (آ ب)
البروفسور محمد يونس (آ ب)
وكان لافتاً أن الرئيس بايدن احتضن يونس بحرارة عندما التقاه على هامش قمة الأمم المتحدة السنوية في العام الماضي. كذلك تلقى يونس في وقت لاحق إشادة كبيرة من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون الذي نوّه بصداقتهما التي تعود إلى 40 سنة، والتأثير العالمي لقروض التمويل المصغر الرائدة في بنغلاديش.
أيضاً التقى أليكس سوروس، نجل الملياردير الأميركي جورج سوروس ورئيس مؤسسته «المجتمع المفتوح»، بالبروفسور يونس أخيراً، بعد أيام من وقف إدارة دونالد ترمب المساعدات الخارجية لبنغلاديش. ويعد هذا ثاني اجتماع بين سوروس ويونس منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين وصف أليكس سوروس يونسَ بأنه «صديق قديم لوالدي».
مؤسسة «المجتمع المفتوح»
جدير بالذكر أن مؤسسة «المجتمع المفتوح» التابعة لسوروس كانت قد اتُّهمت بالترويج لتغيير أنظمة في أوروبا الشرقية، والشرق الأوسط، وأميركا اللاتينية. ويزعم البعض أن الحركة لعبت دوراً خلال أغسطس الماضي في إزاحة الشيخة حسينة عن الحكم في بنغلاديش. وفي الفترة الأخيرة تصدرت أخبار سوروس ومؤسسته العناوين الرئيسة في الهند أيضاً، حيث برز اسمه في جدل حول «مجموعة أداني»، مع ادعاءات بأن المنظمات التي يموّلها سوروس كانت وراء اتهام «مجموعة أداني» باستخدام أموال مُبهمة مقرها في موريشيوس لتوجيه الاستثمارات إلى شركاتها.
أما الدكتور أرفيند فيرماني، العضو السابق في لجنة التخطيط، فقد كتب على منصة «إكس» قائلاً: «ما أعرفه من خلال موقعي في صندوق النقد الدولي هو أن لدى يونس عدداً كبيراً من الأتباع المؤثّرين في الولايات المتحدة الذين مارسوا ضغوطاً لوقف قرض صندوق النقد الدولي لبنغلاديش؛ لأنهم وجدوا أن معاملة رئيسة الوزراء حسينة وحزبها (رابطة عوامي) له غير مقبولة».
بين الأمس واليوم
ما يستحق الإشارة إليه، أنه في بداية عام 2024 كانت بنغلاديش مثالاً بارزاً للنجاح، ثم حدث ما حدث بعد انتخابات عام 2024، عندما جاءت الشيخة حسينة إلى السلطة للمرة الخامسة بعد إقصائها من منصب رئاسة الوزراء. ووفق محللين سياسيين، فإنها صنعت بعد ذلك لنفسها أعداء أقوياء للغاية في داخل البلاد وخارجها. في 2024، اتخذت الولايات المتحدة خطوة مهمة بفرض قيود على تأشيرات الدخول على المسؤولين من بنغلاديش، متهمة إياهم بـ«تقويض العملية الديمقراطية» في انتخابات عام 2024؛ إذ أعرب الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية عن «القلق بشأن نزاهتها»، مسلطاً الضوء على تقارير بشأن مخالفات في التصويت، بجانب إدانة العنف الذي وقع قبل الانتخابات وأثناءها. وهكذا، أخذت واشنطن تنظر إلى حسينة باعتبارها «مستبدة» تخنق الديمقراطية في بنغلاديش.
وسارت لندن على خطى واشنطن، مُبدية قلقها من تراجع التزام حكومة بنغلاديش بالمعايير الديمقراطية. وضم فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، صوته إلى الجوقة... وحث حكومة بنغلاديش - المنتخبة حديثاً - على «اتخاذ خطوات حاسمة نحو تجديد التزام البلاد بالديمقراطية وحقوق الإنسان»، إلا أن حسينة تمكنت من صد جميع هذه المطالب بسبب الدعم غير المحدود الذي تلقته حينذاك من الهند والصين.
واشنطن بايدن... وواشنطن ترمب
الواقع أن إحدى أكثر النظريات شيوعاً أن إدارة بايدن ضمنت لحسينة إعادة انتخاب سلسة، وخوض انتخابات أكثر سلاسة كرئيسة للوزراء إذا سمحت بحدوث أمور معينة. وشملت هذه «الأمور» إنشاء دولة مسيحية في شرق البلاد من خلال اقتطاع أجزاء من بنغلاديش وميانمار، مع السماح بالخطوة الأولى التي تمثّلت في بناء قاعدة جوية في جزيرة سانت مارتن بخليج البنغال.
ومعلوم أن خليج البنغال يقع على رأس ممرات الاتصال البحرية التي تربط الصين واليابان وكوريا بالشرق الأوسط وأفريقيا. وتمر نصف تجارة العالم عبر هذه الممرّات؛ ما يعني أن المنطقة ضرورية لسياسة واشنطن القائمة على «منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة والشاملة»، وهذا تعبير ملطف لكبح جماح التمدد الصيني.
وحقاً، في بيان نشرته صحيفة «إيكونوميك تايمز»، قالت رئيسة وزراء بنغلاديش السابقة: «كان بإمكاني البقاء في السلطة لو تخليت عن سيادة جزيرة سانت مارتن، وسمحت لأميركا ببسط نفوذها على خليج البنغال».
ومن جهته، يقول المحلّل السياسي الهندي سوشانت سارين: «لقد أعمى واشنطن غضبها المبرّر إزاء قمع حسينة للديمقراطية، فتجاهلت الجماعات الأصولية وقرّرت أن الطريق الوحيد لاستعادة الديمقراطية في بنغلاديش هو تنظيم سقوط حسينة. ومع ذلك، فإنه مع انتقال البيت الأبيض الآن إلى ترمب الذي تناقض أولوياته الأخلاقية والآيديولوجية أولويات بايدن لجهة سياسة واشنطن الخارجية، يرجح أن ينظر ترمب إلى الحكومة المؤقتة نظرة سلبية بسبب تقارب يونس مع الديمقراطيين البارزين، لا سيما آل كلينتون». ولكن على الرغم من ذلك، فإن الحكومة الحالية في دكا تميل بشكل إيجابي تجاه واشنطن، ومن غير المرجح أن يتغيّر ذلك في ظل رئاسة ترمب، ثم إن الولايات المتحدة تُعدّ حالياً ثالث أكبر مصدر للتحويلات المالية إلى بنغلاديش، وقد هاجر الآلاف من البنغاليين إلى الولايات المتحدة إبّان إدارة بايدن. وفي المقابل، ومع الأخذ في الاعتبار خطاب ترمب المناهض للمهاجرين ومواقفه السلبية إزاء الهجرة، يتوقع كثيرون أن يفرض قيوداً على الهجرة إلى البلاد؛ ما يمكن أن يؤثر سلباً على وضع البنغاليين في الولايات المتحدة، وتدفقات التحويلات المالية.
البُعدان الباكستاني والصيني
على صعيد آخر، يلاحظ المحللون السياسيون أن علاقة بنغلاديش المتنامية مع باكستان - التي شكّلت معها قبل الانفصال عام 1971 دولة واحدة - تأتي أيضاً في خضم تحركات جيوسياسية أوسع نطاقاً تُعيد تشكيل المشهد في جنوب آسيا. ولقد أثارت أخيراً زيارة الفريق أول إس. إم. قمر الحسن، ضابط الأركان الرئيس في شعبة القوات المسلحة في بنغلاديش، إلى إسلام آباد اهتمام راصدي العلاقات بين بنغلاديش وباكستان. وكذلك زيارة وفد من جهاز الاستخبارات الباكستاني بقيادة اللواء شهيد أمير أفسار إلى بنغلاديش لمدة أربعة أيام في يناير (كانون الثاني)؛ ما مثّل أول اللقاءات الرفيعة المستوى بين جهاز الاستخبارات الباكستانية والمسؤولين في بنغلاديش منذ عقود.
وأيضاً، شرعت إسلام آباد في توفير الذخيرة لقوات الأمن البنغلاديشية. وللمرة الأولى منذ خمسة عقود، رست سفينة شحن باكستانية في ميناء تشيتاغونغ في بنغلاديش. وألغت دكا عمليات التفتيش الجمركي على الواردات الباكستانية، وكذلك متطلبات التصاريح الأمنية للمواطنين الباكستانيين الذين يسعون للحصول على تأشيرة دخول إلى بنغلاديش.
وبالتوازي، على الرغم من أن سقوط حسينة شكّل انتكاسة بالنسبة لبكين، فإن الأخيرة تحركت بسرعة للتواصل مع النظام الجديد. فبعد فترة وجيزة من وصول الحكومة المؤقتة إلى السلطة، باشر السفير الصيني ياو وين في جولات مع يونس ومسؤولين آخرين في الحكومة المؤقتة، والحزب الوطني البنغلاديشي (يمين الوسط)، والعديد من الأحزاب الإسلامية، بما في ذلك الجماعة الإسلامية المتطرفة التي تدعمها جماعة الإخوان المسلمين، ثم استضاف الحزب الشيوعي الصيني زيارات لوفود من قادة الحزب الوطني البنغلاديشي والأحزاب الإسلامية. والمرجح أن يثبت استعداد بكين لإشراك شخصيات حكومية ومعارضة على حدّ سواء في بنغلاديش، أنه ميزة استراتيجية، لا سيما إذا كان أداء الحزب الوطني البنغلاديشي أو المتطرفين الإسلاميين جيداً في الانتخابات المقبلة.
وتاريخياً، حافظت الصين على علاقة تجارية قوية مع بنغلاديش، نمت بشكل ملحوظ خلال حكم حسينة، بل شكلت ولايتها بداية الاهتمام المتزايد للصين ببنغلاديش، وبلغت ذروتها في لحظة محوَرية إبان زيارة الرئيس شي جينبينغ إلى دكا عام 2016، ثم شهد ذلك العام أيضاً انضمام بنغلاديش إلى «مبادرة الحزام والطريق» الصينية؛ ما جعل بكين الشريك التجاري والمستثمر الرئيس لبنغلاديش، وبذا غدت دكا «صديق كل الفصول» لبكين. وللعلم، الصين هي الآن الدولة الوحيدة التي أبرمت بنغلاديش معها اتفاقية للتعاون الدفاعي، وتُشكل الأسلحة الصينية نسبة 82 في المائة من إجمالي مخزون القوات المسلحة في بنغلاديش.
وفي سياق متصل، تهدف سياسة «عدم التدخل» الصينية إلى تعزيز العلاقات الودية مع مختلف الفصائل السياسية في دكا التي يحمل العديد منها مشاعر معادية للهند. ولتخفيف أي اضطرابات أخرى في مشاريع البنية التحتية في بنغلاديش التي توقفت بسبب الاضطرابات السياسية في البلاد، أعلنت بكين التزامها بالحفاظ على شراكتها وتعزيزها مع أي طرف يصل إلى السلطة في بنغلاديش. ويأتي مدّ بكين يد العون للحكومة المؤقتة بقيادة يونس في حين تتّسم العلاقات بين نيودلهي ودكا بالخشونة. من الأسباب المزعومة... الرغبة في إنشاء دولة مسيحية تتشكل من اقتطاع أجزاء من بنغلاديش وميانمار
تعليقات
إرسال تعليق