تنص الاتفاقات المشتركة بين تونس وإيطاليا على توظيف 2000 شاب تونسي على مدى ثلاثة أعوام خلال الفترة من 2024 إلى 2026 ضمن المؤسسات الإيطالية العاملة في قطاع البناء وتوابعه.
تعهدت إيطاليا لتونس بتنفيذ كامل بنود الاتفاقات المبرمة بين البلدين، ومن بينها توظيف 2000 شاب تونسي على مدى ثلاثة أعوام خلال الفترة من 2024 إلى 2026 ضمن المؤسسات الإيطالية العاملة في قطاع البناء وتوابعه، وتهدف هذه الاتفاقات إلى تقليص تدفق الهجرة السرية إلى السواحل الإيطالية والبحث عن آليات جديدة لدخول التونسيين إلى إيطاليا بطرق قانونية وبعقود عمل رسمية.
فهل تنجح هذه المقاربة في الحد من الهجرة السرية إلى إيطاليا؟ وهل تكون الهجرة النظامية بديلاً حقيقياً للهجرة السرية؟ ولماذا تقلص منسوب الهجرة السرية إلى إيطاليا في الفترة الأخيرة؟.
اتفاقات التوظيف وحدها لا تكفي
يؤكد متخصص الديموغرافيا والعلوم الاجتماعية في الجامعة التونسية والمتخصص في قضايا الهجرة حسان قصار في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن "تاريخ الهجرة في تونس يكشف عن أن المؤسسات لم تكُن قادرة على تنظيم الهجرة التي كانت دائماً خارج الإطار القانوني والمؤسساتي منذ الستينيات".
وأضاف أن "الهجرة النظامية إلى إيطاليا من تونس بدأت بين عامي 2004 و2005 من خلال اتفاق تونسي- إيطالي يضمن هجرة ثلاثة آلاف تونسي إلى إيطاليا شرط تعلم اللغة الإيطالية، إلا أن الشباب التونسي لم يُقبل على هذا النمط من الهجرة باستثناء عدد قليل لا يتجاوز 300 شاب"، مشيراً إلى أن "آخرين وقتها فضلوا الهجرة السرية للبحث عن عمل بمفردهم وليكونوا مستقلين وأحراراً في إيطاليا".
ويرى قصار أن "بعض الشباب من المستعدين لتعلم اللغة الإيطالية والباحثين عن شغل من التقنيين وأصحاب شهادات الطبخ والفندقة قد يقبلون على هذا البرنامج، أما بقية الحالمين بالهجرة فسيواصلون مساعيهم بالطرق غير النظامية".
ويستبعد أن "تحدّ اتفاقات الهجرة النظامية من منسوب الهجرة السرية لأنها لا تستطيع أن تستوعب آلاف الشباب التونسي الحالمين بالهجرة إلى إيطاليا"، لافتاً إلى أن "الهجرة لن تنقطع نهائياً وستتقلص في فترات لتعود إلى نسقها الطبيعي في فترات أخرى، مع ما بات يعرف بـ"اقتصاد الهجرة"، من خلال شبكات ممتدة وعابرة للحدود تستثمر في الحالمين بالعبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط".
ووقعت تونس في يوليو (تموز) 2023 مذكرة تفاهم شاملة مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير النظامية ودعم الاقتصاد التونسي، وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وقعت تونس وإيطاليا مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التصرف بتدفقات الهجرة والتي تمكّن التونسيين من إيجاد أربعة آلاف فرصة عمل في إيطاليا.
وفي المقابل، اتخذت تونس جملة من الإجراءات الأمنية وعززت الحماية الأمنية والعسكرية على الشواطئ للحدّ من تدفقات الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا، وشددت وحدات الأمن من ملاحقتها للشبكات التي تنشط في مجال الهجرة السرية، مما قلّص من منسوب الهجرة السرية إلى إيطاليا وفضاء الاتحاد الأوروبي، في ظل ما يواجهه التونسيون من إجراءات صعبة للحصول على التأشيرة إلى أوروبا.
وعود وهمية
ويُرجع الناشط السياسي انخفاض تدفقات الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا إلى أن تونس أصبحت في تقديره "حارس حدود حقيقياً لأوروبا، من خلال منع المهاجرين من الوصول إلى إيطاليا، علاوة على تفكيك عدد كبير من الشبكات المسهمة في تسهيل عمليات الهجرة السرية، كما أن فتح مراكز للحجز والترحيل في ألبانيا أسهم في تقليص عدد المهاجرين السريين لأن الشباب التونسي بات يقرأ ألف حساب قبل الإقبال على الهجرة السرية، خوفاً من أن يكون مصيره في مراكز الحجر والترحيل في ألبانيا".
وشرعت السلطات الإيطالية منتصف أكتوبر الماضي في نقل أول دفعة من المهاجرين إلى مركزين للاحتجاز في ألبانيا ولا يستبعد أن يكون من بينهم عدد من التونسيين.
ويعتبر هذا الترحيل إلى الدولة البلقانية المتلهفة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ثمرة اتفاق بين رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والسلطات الألبانية، وقد يصل عدد المرحلين سنوياً إلى 36 ألف مهاجر.
أحلام المهاجرين أكبر من حلول إيطاليا
ويرى المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن "ما تقدمه إيطاليا من عروض شغل للشباب التونسي تشوبه البيروقراطية والعراقيل الإدارية، علاوة على أن هذا العدد من دون تسقيف زمني واضح، وهو ضعيف مقارنة بالمجالات التي فتحتها إيطاليا مع دول أخرى على علاقة بالعمل الموسمي، وكانت في حدود 70 ألف موطن شغل في مرحلة أولى، و70 ألف في مرحلة ثانية، بينما كان نصيب تونس فيها ضعيفاً جداً".
ويضيف أن "أحلام المهاجرين وأهدافهم أوسع وأكبر بكثير من الحلول التي تقترحها إيطاليا ولا يمكن أن تكون بديلاً للهجرة غير النظامية"، موضحاً أن "تونس دخلت في سياسة صدّ المهاجرين في عرض البحر وعلى اليابسة، وكان الثمن الإنساني باهظاً كحوادث الموت والغرق علاوة على الوضع المأسوي للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في كل من العامرة وجبنيانة في محافظة صفاقس".
ويرى رمضان بن عمر أن تراجع منسوب الهجرة السرية يعود للمقاربة الأمنية التي اعتمدتها تونس على طول السواحل التونسية مقابل مساعدة أوروبية لوجستية وأمنية ومالية نجحت في منع وصول آلاف المهاجرين إلى إيطاليا، لافتاً إلى أن "المقاربة الأمنية لن تدوم طويلاً لأنها ستكون على حساب أولويات وطنية أخرى تتجاوز إمكانات الدولة التونسية، ونتائج تراجع منسوب الهجرة السرية هي نتائج ظرفية".
وتتباهى إيطاليا بنجاح سياستها في مكافحة الهجرة السرية، وأكد وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي في كلمة له أمام نواب البرلمان "تراجع تدفقات الهجرة على سواحل بلاده بنسبة 63 في المئة هذا العام مقارنة بالسنة الماضية"، مردفاً أن هذه النتائج هي "ثمرة الإجراءات التي اتخذتها بلاده لمكافحة الاتجار بالبشر والامتثال بصورة أكثر صرامة لقواعد الهجرة وإيجاد تعاون أكثر فاعلية مع بلدان المنشأ والعبور".
حصص إضافية للتونسيين
في الأثناء، تعوّل تونس على الاتفاقات الثنائية مع إيطاليا لامتصاص الطلب المتزايد على الهجرة وللحد من البطالة، وبيّن وزير التشغيل والتكوين المهني رياض شوّد لدى افتتاحه أشغال المنتدى التونسي- الإيطالي أن معالجة الهجرة غير النظامية لن تكون بالحل الأمني فقط وإنما بالإمكان توفير أمل للشباب بأن العملية المنظمة قد تكون بديلاً، مضيفاً أن هجرة الشاب المتمكن من كفاءات مهنية تيسر اندماجه في المجتمع الإيطالي وتزيد من فرص حصوله على عمل لائق.
وعبّرت وزيرة العمل والسياسات الاجتماعية الإيطالية مارينا ألفيرا كالدرون من جهتها عن التزام دولتها تنفيذ مختلف الاتفاقات الثنائية المبرمة في مجال التوظيف الدولي، مضيفة أنه سيتم تحديد حصص إضافية للتونسيين في اختصاصات مختلفة تتلاءم وحاجات الاقتصاد والمجتمع الإيطالي ومن بينها اختصاصات مرافقي الحياة للمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها.
ويرى الناشط السياسي والنائب السابق في البرلمان عن دائرة إيطاليا مجدي الكرباعي أن "الوعود الإيطالية بتشغيل 12 ألف شاب تونسي وهمية، بسبب عدم فهم ظاهرة الهجرة السرية التي باتت اليوم تستقطب عائلات بأكملها وأطفالاً علاوة على من هم فوق الـ 50 سنة".
ويضيف أن "هذه الاتفاقات في إطار ما يسمى ’الهجرة النظامية‘ ليست سوى حلول ترقيعية، ولن تسهم في الحد من الهجرة السرية لأن طبيعة المهاجر تغيرت اليوم بوجود المرأة والأم والطفل والعائلة على قائمة الحالمين بالهجرة والواصلين إلى إيطاليا".
تعليقات
إرسال تعليق