تأتي لقاءات الشبكة التونسية للحقوق والحريات فيما لاذت تجمعات معارضة أخرى على غرار "جبهة الخلاص الوطني" بالصمت وسط تساؤلات حول قدرة المعارضة في البلاد على استعادة زمام المبادرة، خصوصاً بعد فوز الرئيس سعيد بولاية ثانية مدتها خمسة أعوام.
كثفت الشبكة التونسية للحقوق والحريات وهي وعاء لمجموعة من الأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات من المجتمع المدني من تحركاتها ولقاءاتها، ما يشي بمحاولة جديدة لخرق حال الجمود التي سادت معسكر المعارضة في تونس خلال الآونة الأخيرة.
وتواجه المعارضة في تونس صدمة بعد اكتساح الرئيس قيس سعيد الانتخابات الرئاسية منذ الجولة الأولى، عندما فاز بنحو 90 في المئة من أصوات المقترعين في الاستحقاق الذي أجري خلال السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وتأتي لقاءات الشبكة التونسية للحقوق والحريات فيما لاذت تجمعات معارضة أخرى على غرار "جبهة الخلاص الوطني" بالصمت وسط تساؤلات حول قدرة المعارضة في البلاد على استعادة زمام المبادرة، خصوصاً بعد فوز الرئيس سعيد بولاية ثانية مدتها خمسة أعوام.
تنسيق قوي
وفشلت المعارضة التونسية في دخول الاستحقاق الرئاسي الأخير بمرشح وحيد ومشترك لمنافسة الرئيس سعيد، لكن ذلك لم يثن عديداً من مكوناتها عن الدعوة إلى المشاركة بدلاً من المقاطعة دون الدعوة إلى التصويت لأحد المرشحين الثلاثة، وهم الرئيس قيس سعيد والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي والأمين العام لحركة "عازمون" المحبوس العياشي الزمال.
وبعد إعلان النتائج بأسابيع عادت تحركات المعارضة إلى الواجهة من خلال اجتماعات الشبكة التونسية للحقوق والحريات، التي بحثت الوضع السياسي داخل البلاد والتحركات المقبلة.
وقالت عضو الشبكة جنين التليلي الزغلامي إن "الشبكة لا تنوي القيام بتحركات في الشارع خلال هذه الفترة بالنظر إلى ردة الفعل التي تقوم بها السلطات تجاه تحركاتنا، لكننا نسعى إلى تنسيق قوي مع بقية الأطياف حتى تكون هناك تحركات وازنة".
وأوضحت الزغلامي في حديث خاص لـ"اندبندنت عربية" أنه "في الـ15 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري سيكون هناك اجتماع موسع تتم فيه مناقشة قانون المالية للعام 2025، لأنه على المستوى السياسي والحقوقي هناك انتهاكات لحقوق المواطنين والنشطاء إذ زُج بكثر في السجون وأوقف صحافيون وصحافيات من خلال المرسوم 54 الذي نطالب بإلغائه".
وشددت على أن "هناك مكاسب يتم التراجع عنها في تونس على غرار حرية التعبير والصحافة وحتى صناعة المحتوى وهو أمر ينم عن تضييقات وانتهاكات، وحتى اقتصادياً لا يوجد أي تقدم ما يجعلنا أمام تحديات كبيرة".
وخلصت الزغلامي إلى أنه "يجب الضغط من أجل منع التراجع عن مكاسب ثورة الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011 ومن أجل عدم محاكمة الناس بسبب تصريحاتهم أو مواقفهم"، لافتة إلى أنه "سيكون هناك عمل وتنسيق وتكاتف من أجل الضغط لعدم التراجع عن الحقوق والحريات".
وكثيراً ما نفى الرئيس التونسي وجود انتهاكات لحرية التعبير أو الصحافة في بلاده، لكنه ما انفك يوجه رسائل بملاحقة من يصفهم بـ"الخونة الذين ارتموا في أحضان الخارج".
قدرة محدودة
وظهرت الشبكة التونسية للحقوق والحريات خلال سبتمبر (أيلول) الماضي بعد أن أعلنت نحو 20 منظمة من المجتمع المدني وأحزاب سياسية معارضة عن إطلاقها، في مسعى إلى إعطاء زخم جديد لمعسكر المعارضة الذي تعرض لهزات كبيرة وبخاصة في ظل الإيقافات التي استهدفت معظم رموزه على غرار رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي ورئيس النهضة راشد الغنوشي والعشرات من قيادات الحزب.
ونظمت الشبكة آخر احتجاج لها خلال الرابع من أكتوبر 2023 وهو احتجاج شارك فيه المئات من التونسيين في العاصمة للمطالبة بـ"انتخابات حرة ونزيهة"، ومن غير الواضح إذا ما ستعلن تحركات جديدة خصوصاً مع اقتراب ذكرى اندلاع انتفاضة الـ14 من يناير 2011.
وقال الباحث السياسي حاتم النفطي إن "الشبكة التونسية للحقوق والحريات ليس لها شعبية كبيرة ومن ثم قدرتها على التأثير في الشارع الآن محدودة، لكن لا ينبغي أن ننسى أنه لم يمض على تأسيسها سوى شهر واحد وما زال أمامها الوقت للعمل".
وفي تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية" اعتبر النفطي أن "خلال هذا الشهر نجحت الشبكة في كسر عديد من الحواجز وهذا أمر يجب الإقرار به، وأول تلك الحواجز شيطنة الأحزاب السياسية المعارضة خصوصاً تلك المحسوبة على العشرية الماضية، إذ تضم الشبكة عديداً من تلك الأحزاب وأهمها ربما حزب التكتل الذي كان فاعلاً في تلك العشرية خصوصاً في بدايتها، إذ شكل جزءاً من الترويكا التي حكمت البلاد خلال الفترة من 2011 إلى 2012".
وأكد أن "الحاجز الثاني هو أن بعض المنظمات يبدو أنها قامت بمراجعات ضمنية وغير معلنة، إذ التقت مع السلطة بعد الـ25 من يوليو (تموز) 2021 لكنها تراجعت بعد ذلك وهذا مهم".
وكانت تونس شهدت ما يشبه الزلزال السياسي خلال الـ25 من يوليو عام 2021 عندما فعل الرئيس قيس سعيد المادة 80 من الدستور وجمد عمل البرلمان وحل الحكومة في خطوة سارعت المعارضة إلى وصفها بـ"الانقلاب"، فيما اعتبرها "خطوة ضرورية لتصحيح مسار الثورة".
انفتاح مشروط
وتزداد متاعب المعارضة داخل تونس في ظل الانقسامات الأيديولوجية إذ ترفض عديد من الأحزاب على سبيل المثال التحالف مع حركة النهضة الإسلامية، فيما ترفض أخرى الالتقاء مع الحزب الدستوري الحر الذي هو سليل حزب التجمع الدستوري الديمقرطي الذي حكم البلاد قبل انتفاضة عام 2011.
وقال النفطي إن "الشبكة التونسية للحقوق والحريات منفتحة على الأرجح على أحزاب سياسية من المعارضة ومنظمات في المجتمع المدني لتعزيزها، لكن ذلك شرط التناسق الأيديولوجي لتلك الأحزاب أو المنظمات".
وشدد على "أن هناك مجالاً للشبكة للعمل وحيزاً زمنياً مهماً يتمثل في الأعوام الخمسة المقبلة قد تجعلها ذات ثقل ووزن شعبي مهم على رغم المخاوف السائدة، إذ يمكن ملاحقة أي شخص يعلن معارضته في تونس الآن".
وبعد فوزه بولاية ثانية، من غير الواضح ما إذا كان الرئيس سعيد سيتجه إلى مهادنة المعارضة وبقية أطياف المشهد في تونس أم أن المرحلة المقبلة ستكون شاهدة على جولات جديدة من التصعيد بين هذه الأطراف.
تعليقات
إرسال تعليق