يرى متخصصون في شؤون اللاجئين أن المواد الخاصة باتهامات التآمر على أمن البلاد في قانون لجوء الأجانب "كان يمكن تفاديها، لأن هناك قوانين أخرى تعوض الاتهام المطروح في مواد قانون الأجانب".
بعد تزايد أعدادهم في السنوات الأخيرة إلى 9 ملايين لاجئ، وفق تصريحات حكومية، أقر مجلس النواب المصري رسمياً قانون لجوء الأجانب، الذي قدمته الحكومة، ليكون بذلك أول قانون في التاريخ التشريعي لمصر ينظم شؤون اللاجئين.
وبعدما كان مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر هو من يمنح "صفة اللاجئ" منذ تأسيسه عام 1954، نص القانون الجديد على استحداث لجنة دائمة لشؤون اللاجئين تكون تبعيتها إلى مجلس الوزراء، وتختص بتلقي طلبات اللجوء والفصل فيها، وكذلك تتولى جمع البيانات والإحصاءات الخاصة بأعداد اللاجئين، والتنسيق مع الجهات الإدارية في الدولة لضمان تقديم كل أوجه الدعم والرعاية والخدمات للاجئين.
حقوق ومحظورات
وحدد القانون مدة فصل لجنة شؤون اللاجئين المرتقب تشكيلها في طلب اللجوء بستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب، إذا كان طالب اللجوء دخل مصر بـ"طرق مشروعة"، فيما تزيد المدة إلى عام في حال دخوله بـ"طريق غير قانونية"، مع منح الأولوية لذوي الإعاقة والمسنين والحوامل والأطفال وضحايا الاتجار بالبشر والعنف الجنسي.
وتضمن القانون إلزام من يدخل البلاد بطريق غير مشروع أن يتقدم طواعية بطلب اللجوء في موعد أقصاه 45 يوماً من تاريخ دخوله، مع معاقبة من يخالف ذلك بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه (202 دولار أميركي)، ولا تزيد على 100 ألف جنيه (2020 دولاراً أميركياً)، أو بإحدى العقوبتين.
ومنذ تقديم الطلب يتمتع طالب اللجوء بـ"وضع قانوني خاص"، حتى الفصل في طلبه، فإذا قوبل الطلب بالموافقة، وحصل على صفة لاجئ يتمتع بحقوق قانونية إضافية، أما إذا رفض الطلب تطلب اللجنة من الوزارة المختصة إبعاد طالب اللجوء خارج البلاد، ويعلن طالب اللجوء بالقرار. وقرارات اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين تخضع للمراجعة القضائية، بحسب ما ذكره وزير الشؤون النيابية القانونية والتواصل السياسي، المستشار محمود فوزي، خلال جلسة مناقشة نصوص القانون في مجلس النواب الأحد الماضي.
الحقوق التي يستحقها اللاجئ وفقاً للقانون أبرزها حظر تسليمه إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو التي كان مقيماً بها، إلى جانب الحق في التقاضي والتعليم الأساسي والحصول على الرعاية الصحية والحق في العمل وتأسيس الشركات، من دون فرض رسوم أو ضرائب إضافية.
كذلك يحصل اللاجئ على وثيقة سفر تصدرها وزارة الداخلية، وله حرية الاعتقاد الديني، ويكون لأصحاب الأديان السماوية منهم الحق في ممارسة الشعائر الدينية بدور العبادة المخصصة لذلك، ويخضع في مسائل الأحوال الشخصية إلى قانون بلد موطنه.
فيما حظر القانون على اللاجئ القيام بأي نشاط "من شأنه المساس بالأمن القومي أو النظام العام"، كما منع مباشرة أي عمل سياسي أو حزبي أو أي عمل داخل النقابات. كذلك حظر القانون على المصريين إيواء أو استخدام طالبي اللجوء، وألزمهم بإخطار قسم الشرطة الذي يقع في دائرته محل العمل أو الإيواء، ونص على معاقبة مخالفي ذلك بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه (1009 دولارات أميركية) ولا تزيد على 100 ألف جنيه (2019 دولار)، أو بإحدى العقوبتين.
القانون الأول من نوعه في مصر يراه خبير دراسات الهجرة وشؤون اللاجئين بـ"مركز دراسات الهجرة بالجامعة الأميركية" أيمن زهري، أنه "إنجاز كبير"، لأن مصر تاريخياً عرفت بأنها "بلد لجوء"، منذ أن لجأ إليها السيد "المسيح"، فيما لم تقر له أي ضوابط قانونية، مشدداً على أهمية "حصر أعداد اللاجئين في مصر بدقة بالغة، بواسطة جهاز التعبئة والإحصاء ووزارتي الداخلية والخارجية".
وتتفاوت أعداد اللاجئين في مصر بصورة كبيرة، إذ تقول مفوضية شؤون اللاجئين إن عدد المسجلين لديها أكثر من 792 لاجئاً وطالب لجوء من 62 جنسية مختلفة، بينما قال وزير الصحة المصري خالد عبدالغفار في يناير (كانون الثاني) الماضي إن هناك نحو 9 ملايين مهاجر ولاجئ يعيشون في مصر من نحو 133 دولة، يمثلون 8.7 في المئة من سكان مصر، وذلك في بيان حكومي استند إلى ما جاء في تقرير المنظمة الدولية للهجرة أغسطس (آب) 2023. بينما قال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب أحمد العوضي في تصريحات صحافية قبل أيام إن هناك نحو 800 ألف لاجئ دخلوا مصر عبر المفوضية، إضافة إلى نحو 9 ملايين آخرين دخلوا بطرق غير رسمية.
وأوضح زهري في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن قانون لجوء الأجانب ينص على انتقال سلطة منح صفة اللجوء من المفوضية الأممية إلى لجنة دائمة مصرية في غضون نحو عامين على الأكثر، لحين نقل المعلومات كافة، مؤكداً أن تحديد صفة اللاجئ "عمل سيادي وحكومي وليس من حق المفوضية، حتى وإن كانت تنازلت مصر عن هذا الحق قبل عقود بسبب قلة أعداد اللاجئين في ذلك الوقت"، موضحاً أن المفوضية وظيفتها "حماية اللاجئين لا التحكم في إجراءات دخولهم البلاد، وتقنين أوضاعهم بداخلها".
هل يقيد القانون حقوق اللاجئين؟
خلال مناقشة مشروع قانون لجوء الأجانب في البرلمان كان هناك ترحيب كبير من جانب النواب وشبه إجماع على أهمية بنوده، لكن في المقابل ظهرت اعتراضات من جانب بعض العاملين في المجال الحقوقي والمعني بشؤون اللاجئين.
وأصدرت 22 منظمة حقوقية مصرية وإقليمية بياناً مشتركاً قبل أيام من إقرار القانون، اعتبر أن مشروع القانون يتضمن توسيعاً غير مبرر للصلاحيات الممنوحة للجنة في إسقاط صفة "لاجئ" لأسباب تتعلق بـ"الأمن القومي"، وهي العبارة التي قال البيان إنها "فضفاضة وشديدة العمومية"، وهو ما قد يستغل لتقييد حقوق اللاجئين بحسب البيان.
كما انتقدت المنظمات الحقوقية في بيانها "فرض عقوبات قاسية على أفعال غير واضحة، مثل ما يسمى بمخالفة الأمن والنظام العام، أو ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي، متجاهلاً بذلك الحقوق السياسية التي يكفلها القانون الدولي للاجئين"، وطالبت منظمات عدة حقوقية بطرح مواده للنقاش المجتمعي، منذ إعلان مناقشته داخل البرلمان.
وينص القانون على إسقاط وصف اللاجئ ويبعد فوراً من البلاد في حال ارتكاب محظورات عدة تضمنها القانون، أهمها "ارتكاب أي عمل من شأنه المساس بالأمن القومي أو النظام العام أو يتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية، أو أي منظمة تكون مصر طرفاً فيها، أو أي عمل عدائي ضد دولته الأصلية أو أية دولة أخرى، أو مباشرته في مصر أي عمل سياسي أو حزبي أو أي عمل داخل النقابات، أو التأسيس أو الانضمام أو المشاركة بأية صورة في أي من الأحزاب".
يرى المحامي وخبير شؤون اللاجئين أشرف روكسي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن المواد الخاصة باتهامات التآمر على أمن البلاد في قانون لجوء الأجانب "كان يمكن تفاديها، لأن هناك قوانين أخرى تعوض الاتهام المطروح في مواد قانون الأجانب"، عاتباً على الحكومة أنها "لم تعرض القانون على أي حوار مجتمعي على المختصين في شؤون اللاجئين من الحقوقيين والمحامين.
من جانبه يعتقد عضو مجلس النواب ضياء الدين داوود أن هناك حالاً من اللغط الكثير أثيرت حول قانون لجوء الأجانب من دون مبرر أو سبب واضح، موضحاً أن صلب القانون "يعد قائماً ومطبقاً في مصر منذ انضمام مصر إلى اتفاق جنيف في عام 1981، ووفقاً للقانون فلا يجوز للاجئ مهاجمة بلده الأصلية أو اعتبار البلد المضيف له منصة لتحرير بلده، وله كل الحقوق والمميزات التي يمتلكها أي مواطن في دولته".
وأضاف داوود، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أنه في ظل الضغوط التى تعانيها مصر جراء دخول هذا الكم الكبير من اللاجئين، الذي يفوق قدرتها، بخاصة فى الوقت الحالي، الذي تعاني فيه الدولة أزمات اقتصادية، كان لا بد من استحداث مواد القانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، مؤكداً أن مصر "أعطت كل الحقوق لكل اللاجئين من دون أي تمييز".
مع الدستور والقانون الدولي
وأكد عضو مجلس النواب أن النص التشريعي "لم يخل بالاتفاقات الدولية، ولا يوجد به أي خلل، والدستور المصري يتعامل مع الاتفاقات التي وقعتها الدولة وكأنها قانون مطبق"، متسائلاً "هل المنظمات الحقوقية تخشى الانسياق وراء ضغوط الشارع المصري على الإدارة السياسية برفض وجود اللاجئين أم أنها تسعى إلى حماية حقوق اللاجئين في مصر؟ ولماذا تستنكر المنظمات الحقوقية (الممولة من الخارج) أن يكون للدولة المصرية الحق في معرفة الأعداد الحقيقية لهم ومن ينطبق عليه الشروط أو لا؟"، مشيراً إلى أن طلبات اللجوء تخضع للقبول أو الرفض، وهذا القانون يناقش في الوقت الذي لم تغلق مصر أبوابها أمام اللاجئين، وهناك ملايين على أراضيها.
ويتفق القانون الجديد مع المادة 91 من الدستور التي تنص على أنه "للدولة أن تمنح حق اللجوء السياسى لكل أجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الإنسان أو السلام أو العدالة، وتسليم اللاجئين السياسيين محظور، وذلك كله وفقاً للقانون".
وترافق مع مناقشة القانون ظهور إشاعات حول أنه يمهد لمنح الجنسية للاجئين، أو أنه قد يكون مقدمة لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهو ما نفاه وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، النائب إبراهيم المصري، في تصريحات تلفزيونية، أكد خلالها أن الهدف الوحيد للقانون هو "تنظيم العلاقة بين اللاجئين والدولة المصرية".
القانون الأول من نوعه لتنظيم وجود اللاجئين جاء في سياق تحرك حكومي بدأ منذ العام الماضي، لحصر ما تتحمله الدولة من أعباء لرعاية الأجانب الذين تحرص مصر على تسميتهم بـ"الضيوف".
ووفق تقرير لمجلس النواب، استقبلت مصر أعداداً ضخمة من اللاجئين خلال السنوات الأخيرة، حتى احتلت المرتبة الثالثة عالمياً بين الدول الأكثر استقبالاً لطلبات اللجوء خلال عام 2023. ويحصل 9 ملايين لاجئ ومهاجر في مصر على خدمات بقيمة 6 مليارات دولار سنوياً، من خدمات حكومية مقدمة في الموازنة العامة للدولة تشمل الأمن والعدالة والصحة والتعليم وبرامج الحماية الاجتماعية، بحسب رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب فخري الفقي، خلال مناقشات مشروع القانون في المجلس.
ووفق مفوضية ووفقاً لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تحتل الجنسية السودانية المركز الأول في أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء، تليها الجنسية السورية، ثم أعداد أقل من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال والعراق.
تعليقات
إرسال تعليق