تنعكس أزمة العملة على القوة الشرائية في غالبية المحافظات اليمنية جراء ارتفاع أسعار السلع التي تستورد من الخارج بالعملة الصعبة، فيما يرفع التجار سعرها لتغطية العجز الحاصل في قيمة الريال.
تتطور صور الغضب الشعبي في اليمن جراء انهيار قيمة العملة المحلية إلى مستويات تنذر بمجاعة تهدد البلد المنهك بالصراع الدائر منذ 10 أعوام مع حال اللاحرب واللاسلم.
وتتجلى مشاهد الأزمة الاقتصادية والإنسانية في الغضبة الشعبية المتنامية التي يشهدها عدد من المدن اليمنية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، احتجاجاً على الانهيار الاقتصادي المتلاحق بلا مؤشرات تعيد الاطمئنان للشارع الملتهب.
وشهدت محافظة أبين (جنوب) عصياناً مدنياً تمثل في إغلاق كافة الأسواق التجارية ومحال الصرافة والبنوك، احتجاجاً على انهيار قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
وبطبيعة الحال تنعكس أزمة العملة على القوة الشرائية في غالبية المحافظات اليمنية جراء ارتفاع أسعار السلع التي تستورد من الخارج بالعملة الصعبة، فيرفع التجار سعرها لتغطية العجز الحاصل في قيمة الريال.
رفض شعبي
وبلغت قيمة العملة اليمنية أمام الدولار الواحد نحو 2053 ريالاً في أدنى مستوى لها، ما يكشف عن انهيار اقتصادي غير مسبوق ينذر بتفاقم الأزمة الإنسانية على نحو أكبر في ظل حيرة ملايين السكان هناك، وتساؤلاتهم التي لا تنقطع عن دور السلطتين المسؤولتين على القطاعين المصرفي والاقتصادي في البلاد، فضلاً عن حال التردي غير المسبوق في قطاع الخدمات وفي مقدمها المياه والكهرباء وانقطاع الرواتب عن غالبية الموظفين العموميين، كتبعات رسمها انقسام البلاد بين جماعة الحوثي والحكومة الشرعية، من دون حل مأمول في أفق البلد الكالح.
وقال مصدر محلي في محافظة أبين إن غالبية المراكز والمحال التجارية في مدينة زنجبار، المركز الإداري للمحافظة الساحلية، أغلقت أبوابها رفضاً لحال التردي المتلاحقة للأوضاع المعيشية والاقتصادية، وفي المقابل استمرار الارتفاع غير المحتمل لأسعار المواد الغذائية والسلع الضرورية في ظل أزمة إنسانية تضرب طول وعرض البلاد، مؤكداً أن الرفض الشعبي بلغ حد التلويح باقتحام المقار الحكومية وإشعال موجة احتجاجات عنيفة قد تتسبب بنتائج غير محمودة.
إسهام حوثي لا يتوقف
ووفقاً لخبراء اقتصاديين فإن هذه الموجة من الانهيار الجديد للريال اليمني انعكاس للوضع المائع بين اللاسلم واللاحرب الذي تعيشه البلاد، مع ما سببه التصعيد الحوثي في البحر الأحمر من رفع لأسعار السلع ومضاعفة أوجاع نحو 33 مليون يمني، يعتمد 80 في المئة منهم أصلاً على المساعدات الإنسانية، في صورة تعكس حال الضرر المعيشي الذي بلغ مستويات خطرة دفعت الحكومة الشرعية إلى طلب العون الدولي مجدداً.
ويرى خبراء أن جملة من الأسباب تقف خلف الانخفاض التاريخي، ومنها انقسام القطاع الاقتصادي والمصرفي في المؤسسات المالية والنقدية المتدهورة بين الحوثيين المدعومين من النظام الإيراني وبين الحكومة، وتوقف بيع النفط والغاز جراء استهداف الحوثيين لموانئ التصدير في كل من حضرموت وشبوة (شرق اليمن)، مما أدخل الحكومة في عجز مالي كبير كشفت عنه في بيانات متتابعة.
ولأجل السماح للحكومة الشرعية بتصدير النفط فقد طالب الحوثيون بأكثر من نصف حصة البيع، وهو ما ترفضه عدن خصوصاً وأن صنعاء ترفض قطعياً الوفاء بالتزاماتها تجاه السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ومنها صرف الرواتب التي ترفض تسليمها للموظفين العموميين، وتكريس المقدرات الواقعة تحت يدها خدمة لمشروعها الطائفي الإيراني الدخيل، بحسب السردية الحكومية.
وعلى رغم سلسلة من المعالجات والقيود الموقتة التي انتهجتها الحكومة اليمنية أخيراً وفرضتها على قطاع الصرافة بالعملات الأجنبية في العاصمة الموقتة عدن، إلا أن عملية الانهيار تواصلت مجدداً وسط عجز السلطة الشرعية، ونذر فقدان السيطرة على الوضع المصرفي على رغم الجهود الأخيرة لرئيس مجلس القيادة ورئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي اليمني.
وتأتي هذه التطورات مع أزمة كهرباء خانقة أنهكت السكان في عدن والمحافظات المجاورة، حيث تتجاوز درجات الحرارة 38 درجة مئوية، إضافة إلى الرطوبة العالية والمعاناة التي يسببها هذا الحال الصعب للقطاعات الصحية والخدمية.
عون سعودي
ودائماً ما تلجأ الحكومات اليمنية المتعاقبة إلى طلب العون السعودي لمواجهة أزماتها المالية، مما أسهم في فترات سابقة باستقرار ملاحظ للعملة بفعل سلسلة من الدفعات المالية لدعم موازنة البلاد واستقرار سوق الصرف.
وفي إطار جهودها معالجة الأزمة الإنسانية، أعلنت السلطات السعودية أمس السبت تقديم 25 مليون دولار لدعم المساعدات الغذائية للأسر الأكثر حاجة في اليمن التي تواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وقّع في مدينة جدة اتفاق تعاون مشترك مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، لتقديم المساعدات الغذائية للأسر الأكثر حاجة في اليمن بكلفة إجمالية تبلغ 25 مليون دولار".
وأفادت أنه "بموجب الاتفاق فسيجري تقديم المساعدات الغذائية من خلال توزيع 13.798 طن من المواد الغذائية الأساس، ودعم أنشطة القدرة على الصمود من خلال تحويل مبالغ مشروطة للمشاركين من الأسر الأكثر حاجة في إنشاء أصول وإعادة تأهيل أصول أخرى لدعم سلسلة القيمة الغذائية خلال ست دورات".
ويشمل الاتفاق "إصلاح الأراضي الزراعية وبناء المصدات المائية وتزويد الصيادين بالمعدات اللازمة، يستفيد منها 546364 فرداً بصورة مباشرة، و57313 فرداً بصورة غير مباشرة في محافظات الحديدة والضالع ومأرب والبيضاء وحضرموت والمهرة وسقطرى".
وتأتي هذه المساعدات في وقت يستمر الوضع الإنساني في اليمن في التدهور جراء تواصل توقف تصدير النفط، إضافة إلى تطورات المنطقة بما في ذلك هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
جولة خارجية
وفي مساع جديدة إلى وقف هذه الانهيار التقى وزير المالية اليمني ومحافظ البنك المركزي كلاً من المدير التنفيذي لصندوق النقد العربي، ومسؤولي صندوق النقد الدولي في اليمن والمنطقة، وبعثة البنك الفيدرالي الأميركي وفريق الخزانة الأميركية، إضافة إلى لقائهما المبعوث الأميركي الخاص لليمن.
وتأمل الحكومة الشرعية في الحصول على دعم دولي عاجل لمواجهة هذه التحديات في ظل تقليل الخبراء الماليين لهذه المعالجات التي وصفوها بالموقتة، كونها لا تعالج صميم المشكلة الاقتصادية، ممثلاً في تصدير النفط وتشغيل المصافي الداخلية، ووقف شراء الوقود بالعملة الصعبة ورضوخها للضغوط الأممية التي حالت دون تنفيذ سياسات مصرفية للسيطرة على السوق المحلية، وسحب البساط من قبضة الحوثيين.
ثبات وهمي
ومن المفارقات أن أسعار الصرف في مناطق سيطرة الحوثيين تكاد تكون ثابتة عند حاجز 540 ريالاً للدولار الواحد، إلا أن خبراء اعتبروه استقراراً وهمياً نتيجة القبضة الأمنية التي يفرضونها على شبكات الصيرفة التي هي في الأساس تابعة لهم، إضافة إلى ضعف الطلب على الدولار، وهو ما أسهم في بقاء قيمة العملة وإن بصورة موقتة.
ويؤكد سكان العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية أن هذا الاستقرار لا ينعكس على أسعار المواد والبضائع التي يستهلكها المواطن، إذ تشهد الأسعار زيادة كبيرة في حين يظهر أن سعر الصرف ثابت مكانه.
تعليقات
إرسال تعليق