حرب 2006 – التوغل البري المحدود:

كان التوغل البري عام 2006 محدوداً وبوتيرة بطيئة نسبياً مقارنة بعام 1982، واقتصر على البلدات اللبنانية القريبة ومحيطها ضمن الشريط الحدودي، وبعمق لا يتعدى بضع كيلومترات داخل لبنان.

استبعد المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، خلال حديثه مع بي بي سي، أن يكون سيناريو التوغل البري المقبل مشابهاً لما حصل في عام 1982، ورجّح أن" يكون توغلاً بطيئاً وحذراً ومدروساً، يتضمن احتلال بلدات في الجنوب اللبناني بلدة تلو الأخرى، بدلاً من شنّ اجتياح سريع وشامل على محاور رئيسية. وسيكون أشبه بما حصل عام 2006، لكن بعمق أكبر داخل الأراضي اللبنانية وصولاً إلى نهر الليطاني".

عزا شتيرن توقعاته إلى أن حزب الله يتمركز في بلدات جنوب لبنان منذ زمن بعيد، وهذا يحُول دون إمكانية احتلال هذه البلدات والخروج منها بشكل سريع.

العميد هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث في بيروت، استبعد خلال حديثه مع بي بي سي أن تغزو إسرائيل جنوب لبنان وتبقى فيه لفترة مطولة، فإسرائيل اختبرت عواقب التوغل البري سنة 2006 وما قبله. لذا يرجح العميد جابر أن يكون شكل التوغل بعيداً عما حصل سواء في 1982 أو 2006.

ويتوقع العميد جابر أن تقتصر العمليات الإسرائيلية البرية في لبنان على مداهمات عبر الحدود وفي نطاق ضيق جداً يشمل مناطق محدودة، وأن كل مداهمة قد تنفذها إسرائيل لن تتعدى يوماً واحداً من حيث المدة.

ويرجح العميد جابر أن تستغني إسرائيل عن خيار الغزو البري عبر الاستمرار في تكثيف ضرباتها الجوية وتنفيذ الاغتيالات والعمليات الأمنية السيبرانية.

خريطة تقريبية لتحرك القوات الإسرائيلية خلال حرب عام 2006
التعليق على الصورة،خريطة تقريبية لتحرك القوات الإسرائيلية خلال حرب عام 2006

أين سيكون التوغل البري؟

الأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصر الله، وخلال خطابه الأخير قبل اغتياله قال عقب تفجير أجهزة البيجر في لبنان، رد على اقتراح لمسؤول عسكري إسرائيلي بشأن اجتياح لبنان لإنشاء حزام أمني داخل أراضيه، بالقول إن ما تراه إسرائيل تهديداً بإنشاء حزام أمني، نراه في حزب الله "فرصة تاريخية سيكون لها تأثيرات كبرى على المعركة". وفي معرض حديثه، تطرّق نصر الله إلى الحزام الأمني الذي أنشأته إسرائيل عام 1978 في جنوب لبنان، في إشارة إلى المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل.

العميد جابر، الذي استبعد أصلاً سيناريو التوغل البري، يتوقع أن تقتصر العمليات البرية الإسرائيلية – إن حدثت - على "مناطق محدودة جداً في البلدات الحدودية اللبنانية"، لكنه لم يستبعد أن تنفذ إسرائيل ما يشبه "عمليات الكوماندوز" الخاطفة في مناطق لبنانية أخرى.

شتيرن في المقابل يتوقع أن يشمل نطاق العملية البرية المحتملة الجنوب اللبناني - أي المنطقة ما بين الحدود اللبنانية الإسرائيلية ونهر الليطاني - لكنه لم يستبعد أن تفرض الاعتبارات التكتيكية على إسرائيل التوغل في بعض المناطق شمال الليطاني ومن ثم الانسحاب منها، أو تنفيذ إنزالات خلف الخطوط، أو ربما التوغل إلى مناطق في العمق اللبناني لكسب ميزة تفاوضية في المستقبل.

ماذا ستكون أهداف الغزو؟

كان الهدف المعلن لحرب 1982 وعملياتها البرية إخراج البلدات في الشمال الإسرائيلي من المدى الفعال لصواريخ ومدفعية المقاتلين الفلسطينيين في جنوب لبنان، عبر إبعادهم إلى مسافة 40 كم عن الحدود اللبنانية الإسرائيلية، إضافة إلى تدمير البُنى التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية بما يشمل مقراتها في بيروت، ودفع القوات السورية إلى الخروج من لبنان، بحسب ما أعلنت إسرائيل.

لم يقتصر الهجوم الإسرائيلي عام 1982 على جنوب لبنان، بل شمل مناطق واسعة في البقاع وجبال الشوف وبيروت.

يرى العميد جابر أن الاختراقات البرية ضيقة النطاق – إن حصلت – فستهدف إلى تحقيق "قيمة معنوية" ليس أكثر.

أما شتيرن فيرى أن إسرائيل ستهدف بشكل أساسي من أي توغل محتمل في جنوب لبنان، إلى إبعاد مقاتلي حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وذلك يعود برأيه إلى سببين أساسيين: "وقفُ إطلاق الصواريخ قصيرة المدى باتجاه البلدات الإسرائيلية، ومنع تكرار هجوم مشابه لهجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول في شمال إسرائيل".

ألمح حسن نصر الله في خطابه، إلى إن إسرائيل تفكر بإقامة الحزام الأمني داخل لبنان، بهدف تحويل انتباه حزب الله وجره إلى توجيه عملياته داخل هذا الحزام بعيداً عن شمال إسرائيل، لكنه شدد على أن ذلك "لن يوقف من عمليات حزب الله ضد المواقع العسكرية والبلدات داخل إسرائيل".

كم سيدوم الاجتياح المحتمل للبنان؟

المرحلة الأولى من اجتياح عام 1982 استمرت نحو 3 أشهر، وانتهت بخروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من العاصمة اللبنانية بيروت في نهاية أغسطس/ آب من العام نفسه. أما في حرب عام 2006، استمرت العمليات القتالية البرية 27 يوماً.

يرى شتيرن أن إسرائيل غيرت أسلوبها في العمليات العسكرية، ففي الماضي كانت تعتمد أكثر على الحروب القصيرة الخاطفة، أما المعركة المقبلة فقد تكون طويلة.