القائمة الرئيسية

الصفحات

الانتحار ليس الحل بل طريق إلى التهلكة


 كتبه الشيخ د عبدالحميد محمد أحمد خليل أبوحريح

بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام 

تحية طيبة وبعد 

بين الحين والآخر القلب يعتصره الالم مما تشاهده العين ، أو تسمع به الأذن، أو مما  يطالع في الصحف وغيرها... من تجرأ شاب أو فتاة، أو شيخ في مقتبل العمر أو عند أشد العمر، أو ارذله...على قتل نفسه بأي وسيلة من وسائل القتل المعروفة و المعهودة ، من الخنق، والطعن، وضرب الرصاص، وتجرع السم، والقاء النفس أمام السيارات والقطارات وغيرها...أو من فوق أسطح المنازل والعمارات ...أو من فوق الكباري في النيل أو تفرعاته... أو غير ذلك... مما يعلمه الناس ولم يذكر... بسب البعد عن الله أو 

بسب ضيق في العيش أو المعيشة ، أو بسب انشغال القلب بما لم يخلق له، أو بسبب الحصول على أمر بذاته...، أو فقد أمر لذاته، أو بسب التمادي في المعاصي، او بسب الضغوط النفسية ، أو العزلة الإجتماعية ، أو تسلط الغير، أو بسبب المشاكل والخلافات الأسرية...

 أو بسب التنمر ، أو بسب أن يكون الشخص ضحية للإساءة الجسدية ، أو سوء المعاملة في الطفولة...،او بسبب أن يكون مريضا...

أو بسبب التفكر بالمستقبل والنظر في الحال، أو بسب الالعاب التي قدمت الينا وصرنا خلفها كالانعام التي لا تفقه... وغير ذلك من الأسباب . التي تجعل

العبد يقدم الي إزهاق روحه بالوسائل سابقة الذكر أو غيرها ظانا أن في ذلك النجاة أو أن في ذلك المنجى...أو بذلك قد انفرج  الكرب أو انحل،...كلا بل في ذلك بداية طريق لا  يعلمه الا الله... ونصدق ما جاء فيه عن رسوله ڤي الصحاح وغيرها

فلو علم  المنتحر بأي ظلم قد ظلم نفسه به، وبأي عقوبة اوصل نفسه إليها ، 

 وبأي مصيبة قد حلت بأهله، وذويه، ومحبيه، لما اقدم على ذلك...

 ولكن سولت له نفسه ذلك والنفس أمارة بالسوء إلا من رحم، واتبع خطوات الشيطان، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر،والبغي ،  واتبع هواه ،يعلم ذلك أو يجهله فإن كان لا يعلم فتلك مصيبة وإن كان يعلم  فالمصيبة اعظم

ومن مقاصد التشريع الحفاظ على النفس والعقل والنسل، والمال... فحرم الشرع الحنيف كل ما يؤدي إلى أذى النفس أو  الأضرار بها  او الاعتداء عليها...وذكر ذلك صراحة في القرآن الكريم حيث قال سبحانه وتعالى كما في [سورة النساء (4) : الآيات 29 الى 30]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30)

وقوله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى  التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195]؟

والنبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ : لا ضَررَ ولا ضِرارَ 

والمعنى الذي يدل عليه الحديث نصا هو: أن الشخص ليس مطلوبا منه أن يضار نفسه، وليس مسموحا له بأن يضار غيره.

وازهاق الروح أمر غير مبرر، وهي جريمة في حق النفس وفي حق الغير فالروح ملك لله، وليس للإنسان أن يعتدي عليها،وهو استعجال لقضاء الله،  وأن وجود الشدائد لدي الناس سنة لم يخلو منا زمان ولم يسلم منها احد والإنسان يستطيع أن يعدد جوانب الخير فى كل شدة، ومحنة

وطلب الراحة  والحل في الانتحار وهم، والانتحار كبيرة من كبائر الذنوب،  ولا راحة بعد الموت لصاحب الكبيرة، ولا توبة بعد الموت ولا ندم ولا مستعتب

 و المنتحر اعتدي على أمر لم يملكه، وأوقع نفسه في محنة لن يخرج منها، وكفر بنعمة الحياة التي وهبها الله له، وليس كفره يخرجه من الملة ولكن لم يمنعه من العقوبة،  فلقد فعل ذنب عظيم، واثم كبير، فقد استهان بنعمة الحياة ونعمة الوجود 

و المنتحر ليس بكافر على الحقيقة الكفر المخرج من الملة ولم يقل أحد فيما أعلم بذلك بل هو مسلم عاصي تحت مشيئة الله أن شاء عذبه وان شاء غفر الله له  ولكن كفر دون كفر

 و الانتحار ليس بابا للهروب من الأزمات، وانما أوقع المنتحر نفسه في أزمة، وحسرة، وانما يعقب المنتحر حساب شديد،  ووعيد اكيد، ربما سيكون أكبر وأعظم وطأة من أي شيء قد يعانيه الإنسان في حياته الدنيا،  وجاءت أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تدل على ذلك  منها ما جاء عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ) رواه البخاري ( 5442 ) ومسلم ( 109 ) .

وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر ، عقوبةً له ، وزجراً لغيره أن يفعل فعله ، وأذن للناس أن يصلوا عليه ، فيسن لأهل العلم والفضل ترك الصلاة على المنتحر تأسيّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم .

 وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : ( أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه ) رواه مسلم ( 978 ) .

قال النووي : " المَشاقص : سهام عراض .وفي هذا الحديث دليل لمن يقول : لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه , وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي , وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء : يصلى عليه , وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله , وصلت عليه الصحابة " انتهى . فهو يصلى عليه ويدعى له بالرحمة لعل الله يتجاوز عنه

وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ) رواه البخاري ( 5700 ) ومسلم ( 110 ) .


وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات . قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ) رواه البخاري ( 3276 ) ومسلم ( 113

و روى الشيخان من حديث أبي هريرة قال: {شهدنا مع رسول الله ﷺ فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل قتالا شديدا فأصابه جراح، فقيل: يا رسول الله الذي قلت آنفا إنه من أهل النار قد قاتل قتالا شديدا وقد مات، فقال ﷺ: إلى النار، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل له: إنه لم يمت ولكن به جراحة شديدة فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فأخذ ذباب سيفه فتحامل عليه فقتل نفسه، فأخبر بذلك رسول الله ﷺ فقال: الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر }.


والأحاديث فيها ترهيب مخيف، ووعيد شديد في قتل النفس حتى لو كان فاعل ذلك مجاهدا في سبيل الله...

ولئن حرم الإسلام الانتحار فإنه مع ذلك حرم الأسباب المفضية إليه، فقد كره النبي ﷺ للمرء مجرد أن يتمنى الخلاص من الحياة، ففي الحديث أن رسول الله ﷺ قال: “لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي” متفق عليه.

 واختم بحديث سيدنا  جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم رحمه الله أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هل لك في حصن حصين ومنعة؟ ٠ قال (حصن كان لدوس في الجاهلية) فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

للذي ذخر الله للأنصار. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.هاجر إليه الطفيل بن عمرو،ووهاجر معه رجل من قومه. فاجتووا المدينة.فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات.

فرآه الطفيل ابن عمرو في منامه.

فرآه وهيئته حسنة. ورآه مغطيا يديه.

فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم.

فقال: ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت.

فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم! وليديه فاغفر". وعليه

فالحديث يحول دون قطع الامل عن عفو الله للمنتحر، كما لا يمكن أن ننسى  أو نتغافل عن كل من ألجأ المنتحر على الانتحار فعليه من العقوبة والاثم مثل ما على المنتحر

 ومما سبق يتضح لنا أن الانتحار  ليس حلا، وأن المنتحر تعجل قضاء الله ،  ولا نقول إن المنتحر كتب الله عليه ذلك الانتحار  فنحن لا نحتج بالقدر على المصائب، لأن الله تعالى كتب ذلك بعلمه فهو العليم بكل شئ خلق أو لم يخلق، وعلم الله قديم قدم ذاته سبحانه وتعالى، فعلم الله تعالى أن هذا العبد( ذكر كان أو أنثى) بمشيئته واختياره سوف ينتحر، والله جعل للإنسان مشيئة واختيار. ولو احتججنا بالقدر على المصائب لكان هذا المنتحر مجبور على انتحاره، فلا عبرة بمحاسبته على أمر لا مشيئة له فيه ولا اختيار،  وكذلك كل من فعل ذنبا كالسرقة، والزنا، والقتل... حينما تسأله يقول الله كتب على ذلك، وهذا لا يقوله عاقل فنحن نقول إن الله كتب عليك ذلگ بعلمه الاذلي القديم  سبحانه وتعالى

 وأن المنتحر معاقب  وتوجد له عقوبة في الشريعة الإسلامية وأنه قد الحق الضرر بأهله وذويه

وأنه ليس بكافر كفرا يخرجه من الملة بل هو كفر دون كفر وهو كفر النعمة التي انعم الله عليه بها، فهو قد فعل ذنب عظيم، واثم كبير،  وفعل كبيرة من كبائر الذنوب ومع ذلك نقول إنه تحت مشيئة الله واختياره إن شاء عذبه وان شاء غفر له

 إذا علم ذلك كان المنتحر مسلم عاصي   مات على كبيرة من كبائر الذنوب فهو يغسل ويكفن، ويصلي عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، هذا والعلم عند الله، وهو سبحانه وتعالى أعلى وأعلم 


تعليقات

التنقل السريع