مع حلول شهر رمضان المبارك من كل عام يكون المرضَى في حيرة شديدة من أمرهم : أيصومون الشهر الكريم ؟ أم يفطرون فيه ؟ وهل هذا يتوقف على مدى مقدرتهم الصحية والجسدية ؟ أم يحتاج ذلك إلى سؤال علماء الفقه والشريعة ؟ أم إلى استشارة الأطباء المختصين ؟
والحقيقة أن الرأي الفقهي في هذه المسألة معتبر بلا شك ،كما أن التوجيه الطبي معتبر كذلك .
أحدهما المريض مرضا طارئا، بحيث يُرجى شفاؤه، وليس ميؤوسا من بُرئه كنزلات البرد والحمى والعمليات الجراحية اليسيرة، ونحو ذلك .
ولهذا النوع ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره ، فيجب عليه الصوم ؛ لأنه حينئذٍ لا عذر له.
الحالة الثانية: أن يشق عليه الصوم، ولا يضره، فيكره له الصوم لما فيه من ترك رخصة الله تعالى مع إدخال المشقة على نفسه.
الحالة الثالثة: أن يضره الصوم، فيحرم عليه أن يصوم لما فيه من جلب الضرر على نفسه، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} ، وقال سبحانه: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. وفي الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا ضرر ولا ضرار» . أخرجه ابن ماجه، والحاكم .
وعلى هذا المريض أن يقضي ما فاته من الصيام بعد شفائه ، لقوله تعالى : ( فعدة من أيام أُخَر ).
والنوع الثاني : المريض مرضا مزمنا مستمرا لا يرجى شفاؤه ، بحيث يستمر هذا المرض ولا يزول في الغالب ، فإن هذا يكون في حكم الشيخ الكبير الذي يشق عليه الصيام، وحكمه أنه لا يصوم وتلزمه الفدية بأن يطعم عن كل يوم مسكيناً .
هذا رأي علماء الفقه والشريعة في ذلك .
وأما عن التوجيه الطبي فإن الأطباء يقولون : إنه من الصعب إعطاء نصيحة واحدة لكل المرضى بالصيام أو عدمه ، لأن كل مريض له ظروفه الصحية الخاصة ، وحالته المرضية المختلفة عن غيره .
لكن هناك بعض الأمور العامة المتعارف عليها بالنسبة للصوم لدى أنواع معينة من المرضى ، ومن ذلك :
مرضى الكلى ، حيث يعد مرضى الكلى أكثر أنواع المرضى حيرة بالنسبة للصيام ، وذلك لاحتياجهم الشديد إلى الماء .
يقول أحد كبار الأطباء الاختصاصيين : إن مشكلة مرضى الكلى مع الصيام تتمثل في الحرمان من الماء والسوائل لفترات طويلة، وبخاصة أن الماء يساعد الكلى على التخلص من السموم الموجودة في الجسم عن طريق البول، ولكن مع الصيام يقل دخول السوائل للجسم وبالتالي يزداد العبء على الكلى، فترتفع وظائفها.
لكن يسمح بالصيام لمن يعانون من قصور في وظائف الكلى، من الدرجة الأولى أو الثانية، ولا يعانون من أية مشاكل صحية أخرى، بشرط متابعة وظائف الكلى أسبوعيًا.
كما أنه من الأفضل دائمًا إخضاع المصابين بقصور في وظائف الكلى للفحص قبل البدء في الصيام، واختبار تأثير الصيام عليه لفترة قبل السماح له.
أما المصابون بتليف في الكلى، وتسبب في قصور في وظائف الكلى من الدرجة الأولى أو الثانية، فيسري عليه الإجراء السابق ويخضع أيضًا لاختبار، لمعرفة مدى تأثير الصيام على الكلى.
وكذلك مرضى التهابات الكلى، إذا أثرت على وظائف الكلى وتسببت في قصور من الدرجة الأولى أو الثانية، فتندرج في قائمة خضوع المريض لاختبار خاصة أنه يحتاج لمضادات حيوية لعلاج الالتهاب ، لكن إذا تعرض المريض لآلام شديدة ومغص كلوي فهنا يُنصح بكسر صيامه.
أما في حالة الإصابة بحصوات في الكلى، فهنا تُفحص الحالة، وإذا أثرت على وظائف الكلى تندرج في قائمة وجود قصور في وظائف الكلى، وإذا تعرض المريض لنزيف في البول أو فقدان للوعي أو مغص كلوي شديد، فهنا يُنصح بكسر الصيام.
وبالنسبة لمرضى الكبد : يقول الطب : في أغلب حالات أمراض الكبد غير المُتقدمة وغير المُزمنة وغير المصحوبة بأمراض أخرى لن يُشكل صيام المريض حرجًا على المريض، بل بالعكس قد يُساعد في تعزيز الصحة لاسيما في حالة
مرضى الكبد الدهني، وخاصةً إذا كان الصيام متبوعا بنظام غذائي سليم ويُساعد على نزول الوزن وخسارته، والتقليل من مستويات الدهون في الجسم.
وكذلك المرضى الذين قاموا بعملية عملية زراعة للكبد ناجحة يصومون طالما أن وضعهم الصحي مستقر.
أما الحالات التي يُمنع فيها صيام مرضى الكبد فهي حالات أمراض الكبد المزمنة، مثل: تليف الكبد أو فشل الكبد الحاد ،والمرضى الذين هم بحاجة إلى تناول عدة أدوية خلال أوقات متقاربة،
ومرضى الاستسقاء الذين يتناولون أدوية مدرة للبول،وكذلك مرضى الكبد الذين لديهم أمراض أخرى مثل: السكري، أو ارتفاع ضغط الدم، ويُعانون أعراضا متكررة، مثل: الغيبوبة الكبدية فهؤلاء لا يصومون.
وبالنسبة لمرضى القلب يذكر الأطباء أنه في كثير من الحالات لا يؤثر الصيام بصورة سلبية على مرضى القلب الذين يتمتعون بحالة مستقرة، والذين لا يصابون بأعراض متكررة كآلام الصدر أو الصعوبة في التنفس، ويكون الصيام غالباً مفيداً لهم، حيث يساعد على تقليل كميات الطعام التي يتم تناولها، كما أنه يساعد على الابتعاد عن التدخين والحد من التوتر مما يسهم في تخفيف المخاطر العامة الناجمة عن أمراض القلب .
و هناك حالات لا يسمح لأصحابها بالصيام، ويشمل ذلك المصابين بقصور حاد في القلب، لأنهم يحتاجون إلى شرب كمية كبيرة من السوائل.
وكذلك من يعانون من الذبحة الصدرية غير المستقرة، وكذلك الذين خضعوا لعملية جراحية قبل أقل من ستة أسابيع، وأولئك الذين يعانون من أمراض أخرى مزمنة كالسكري ، وارتفاع ضغط الدم .
وبالنسبة لمرضى السكري فمريض السكري من النوع الأول ( المعتمد في علاجه على الأنسولين ) إن كان يتحكم في مستويات السكر لديه مع الصيام ، ولا يتعرض لهبوط ، وليس لديه حمضية في الدم ، وحالته العامة جيدة لا يشق عليه الصيام ففي هذه الحالة يصوم.
وإن كان الصوم يشق عليه أو يُخشى عليه منه لتفاقم مرضه ، لوجود إحدى الحالات السابقة فلا يصوم . وأما مريض النوع الثاني ( المعتمد في علاجه على الأقراص ) ففرصته في الصوم أكبر إذا تحكم في مستويات السكر لديه ، وراعى المحاذير السابقة .
وإذا قرر مريض السكري من النوع الأول أو الثاني أن يصوم شهر رمضان بناء على رأي الطبيب المعالج، فهناك بعض الخطوات الاحترازية والوقائية التي يجب القيام بها، لتجنب ارتفاع السكر أو هبوطه، ومن هذه الخطوات الوقائية، التي يجب على مريض السكري اتباعها، تأخير وجبة السحور قدر الإمكان حتى لا تطول فترة الصيام ، ومتابعة قياسات السكر أولا بأول.
وبالنسبة لمرضى ضغط الدم المرتفع يقول أهل الطب : يمكن أن يكون صيام شهر رمضان آمناً لمرضى ارتفاع ضغط الدم الذين يتناولون أدويتهم بانتظام، والذين لا يعانون من اضطرابات في قراءات ضغط الدم، بل إن الصيام يمكنه خفض قراءات ضغط الدم، وتحسين حالة المريض.
لكن يجب على مرضى ارتفاع ضغط الدم استشارة أطبائهم حول صيام رمضان ، وإذا كان ذلك ممكناً، فإنه ينبغي القيام بتعديل جدول العلاج قبل بداية شهر رمضان لتتناسب مع توقيت الصيام.
وإذا كانت قراءات ضغط الدم غير طبيعية، أو غير مسيطر عليها، أو في حال ارتفاع الضغط أثناء الصيام، أو كان المريض معرضا لخطر من جراء الصيام فإن الطبيب غالباً قد ينصح المريض بالإفطار .
وعلي أية حال فإن لكل مريض حالته الخاصة التي تختلف عن غيره ، وبالتالي يختلف موقفه من الصيام ، وعلى كل مريض أن يراجع طبيبه الخاص، المتابع لحالته ، فهو الأعلم به ، والأقدر على تقييم حالته.
نسأل الله تعالى أن يمن على الجميع بالشفاء ، وأن يمتعهم بالصحة والعافية، وأن يعيد علينا هذا الشهر الكريم بالخير واليمن والبركات.
وكل عام أنتم بخير
عصمت رضوان
تعليقات
إرسال تعليق