يبدو أن الخيارات أمام الرئيس الأميركي جو بايدن محدودة في الرد على الهجوم الذي شنته جماعة موالية لإيران على قاعدة أميركية قرب الحدود السورية الأردنية، حيث أصبح الانتقام "المباشر" والواضح هو السبيل الوحيد لوقف تراجع الردع الأميركي في الشرق الأوسط.
وتعهّد الرئيس الأميركي جو بايدن بالردّ بعد هجوم بطائرة مسيّرة الأحد أدّى إلى مقتل ثلاثة عسكريين أميركيين في قاعدة في الأردن قرب الحدود السورية، متهما فصائل مدعومة من إيران بالوقوف وراء الهجوم.
وأكّد ناطق باسم البيت الأبيض الاثنين أن الولايات المتحدة تعمل على الردّ "بالطريقة الملائمة" على الهجوم بمسيّرة على قاعدة في الأردن، لكنه قال في نفس الوقت إن واشنطن لا تريد حربا مع طهران التي نفت من جانبها ضلوعها في الهجوم.
ويعني عدم رغبة واشنطن توسيع النزاع أنها ستركز على عملية محدودة فعالة، ربما لا تطال الأراضي الإيرانية، خشية تصعيد الصراع إلى حرب مباشرة.
غضب في واشنطن
وتعالت الأصوات داخل واشنطن بالمطالبة برد حاسم على إيران والتوقف عن لعبة حرب الوكلاء بين الجانبين، وذلك عبر توجيه ضربه مباشرة لطهران.
ويقود الجمهوريون هذا التوجه، مستغلين هذا الحدث في محاولة إظهار الرئيس الديمقراطي ضعيفا، غير قادر على التحرك بجرأة لردع إيران.
وقال السيناتور الجمهوري ليندساي غراهام: "يمكن لإدارة بايدن القضاء على جميع الوكلاء الإيرانيين الذين تفضلهم، لكن ذلك لن يردع العدوان الإيراني".
وأضاف: "إنني أدعو إدارة بايدن إلى ضرب أهداف ذات أهمية داخل إيران، ليس فقط انتقاما لمقتل قواتنا، لكن كرادع ضد أي عدوان في المستقبل".
وطالب السيناتور الجمهوري توم كوتون بـ"رد عسكري مدمر"، على ما وصفه بـ"القوات الإرهابية الإيرانية"، واصفا بايدن بـ"الجبان ما لم يفعل ذلك".
وذكر كوتون: "شجع جو بايدن إيران لسنوات من خلال التسامح مع الهجمات على قواتنا. ترك قواتنا تتعرض للخطر، والآن قتل 3 وأصيب العشرات، للأسف كما توقعت أن يحدث منذ أشهر".
رد قاسي على طريقة رونالد ريغان
وقال ماثيو كروينغ مدير الدراسات بمركز المجلس الأطلسي، وقد عمل سابقًا في مجتمع الاستخبارات الأميركي ووزارة الدفاع فيما يخص الشؤون الإيرانية، إن على واشنطن أن تستهدف البحرية الإيرانية أو قيادات عليا أو برنامجها النووي.
وأوضح :" في الأسابيع الأخيرة، شنت إيران حرب ظل ضد الولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط، والآن قُتل ثلاثة من أفراد الخدمة الأمريكية وأصيب العشرات. لقد كانت الولايات المتحدة حذرة في ردها على هذه النقطة لأنها تخشى "التصعيد"، لكن هذا المنطق كان مضللاً. وعلمت إيران أنها قادرة على شن هجمات دون عقاب"
وأوضح:" لم يؤد الحذر الأميركي إلا إلى المزيد من العدوان. يعمل الردع من خلال إقناع الخصم بأن تكاليف مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها ومصالحها تفوق إلى حد كبير أي فوائد يمكن تصورها. لقد فشل الردع الآن، ويتعين على الولايات المتحدة أن تنفذ تهديدها الرادع".
واقترح كروينج أن يقوم الجيش الأميركي بإغراق البحرية الإيرانية وضرب قواعدها، مثلما فعل الرئيس رونالد ريغان في الثمانينيات
العملية براينغ مينتيس "فرس النبي"
في 14 أبريل عام 1988، كانت فرقاطة الصواريخ الموجهة الأميركية "يو إس إس صامويل روبرتس" تبحر خلال مهامها في حماية ناقلات النفط ضمن مهمة أطلق عليها "إرنست"، قبل أن تصطدم بلغم بحري أحدث انفجارا كاد أن يغرق الفرقاطة بعد أن أحدث ثقبا بقطر 4.5 متر في هيكلها.
تمكنت البحرية الأميركية من إنقاذ الفرقاطة وسحبها، لكن عملية بحث وتحقيق أفادت بأن الأرقام المتسلسلة على الألغام التي عثر عليها تشير إلى أنها إيرانية، لتبدأ في غضون أربعة أيام فقط عملية انتقامية لا تزال ماثلة للأذهان كدرس أميركي للنظام الإيراني.
أطلق الأميركيون على العملية العسكرية "براينغ مينتيس" (بالعربية: فرس النبي) نسبة إلى الحشرة الخضراء الشهيرة.
أنطلقت العملية العسكرية في 18 أبريل عبر مجموعة من السفن الحربية الأميركية السطحية، بالإضافة إلى قوة جوية من حاملة الطائرات "يو إس إس إنترپرايز"، والطراد "يو إس إس تركستون".
ومع نهاية العملية، كانت البحرية الأميركية وقواتها الجوية قد دمرت منشآت بحرية واستخباراتية إيرانية على منصتي نفط، وأغرقت على الأقل 3 زوارق سريعة إيرانية مسلحة وفرقاطة واحدة وزورق هجومي، كما أصيبت الفرقاطة الإيرانية سابالان في العملية، لتفقد إيران بحسب مصادر أميركية، نصف الأسطول العملياتي في هذه المعركة، كما قتل في الاشتباكات 55 عنصرا في البحرية الإيرانية.
وكانت هذه المعركة الوجيزة، واحدة من 5 اشتباكات بحرية كبيرة خاضتها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، وتتضمن معركة چومونچين چان أثناء الحرب الكورية، وحادثة خليج تونكين ومعركة دونك هوي أثناء حرب ڤيتنام، والاشتباكات في خليج سدرة الليبي عام 1986.
وبسبب التوتر الشديد الذي أعقب العملية العسكرية، أسقط طراد أميركي طائرة مدنية إيرانية فوق الخليج في الثالث من يوليو عام 1988، بعد ورود معلومات خاطئة بأنها طائرة عسكرية، وأودى الحادث بحياة 290 شخصا.
نموذج سليماني
وبحسب كروينغ، يمكن أن تستهدف واشنطن قيادة إيرانية رفيعة ، مثلما فعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في الثالث من يناير عام 2020، عبر هجوم بطائرة مسيرة في بغداد.
لكن الإيرانيون قاموا بالانتقام على طريقتهم وبشكل أكثر مباشرة، عندما شنوا هجوما صاروخيا بعد 5 أيام من الاغتيال، على القواعد الأمريكية في العراق.
واستهدف الحرس الثوري الإيراني في منتصف ليل 8 يناير، قاعدة عين الأسد الأميركية في محافظة الأنبار العراقية بعشرات صواريخ أرض- أرض، إضافة إلى القاعدة الأميركية في أربيل.
وبرغم إبلاغ إيران للولايات المتحدة المسبق، بأنها ستقوم بهذه الضربة، التي لم تسفر عن مقتل أي جندي أميركي، فإنها اعتبرت اعتداء رمزيا على هيبة الردع الأميركي.
البرنامج النووي
ويقول كروينغ أن يمكن لواشنطن أن تغتنم الفرصة لتقليص برنامج إيران النووي والصاروخي "وهو الأمر الذي يجب معالجته قريبًا بغض النظر، حيث يقدر البنتاغون أن الجدول الزمني للاختراق النووي هو اثني عشر يومًا فقط".
ومن شأن هذا النوع من الانتقام أن ينقل لإيران رساله بأنها أخطأت في تقديرها وأن مهاجمة الولايات المتحدة كان قراراً أحمق لا ينبغي أن يتكرر، بحسب المحلل الأميركي.
ويوضح :"لن تتمكن إيران من كبح جماح رغبتها في زرع الفوضى في مختلف أنحاء المنطقة إلا عندما يصبح هذا الأمر واضحا. إن توجيه ضربة جراحية مباشرة أخرى ضد الوكلاء المعنيين سيكون خطأً. وسوف يُقرأ هذا الأمر في طهران على أنه علامة ضعف وسيؤجج ببساطة دائرة مستمرة من العنف".
تعليقات
إرسال تعليق