أثار إصدار محكمة العدل الدولية حكما ابتدائيا وتدابير طارئة بحق إسرائيل في الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب إفريقيا متهمة تل أبيب بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية، تساؤلات بشأن تبعات ذلك من الناحية القانونية والسياسية بالنظر لاستمرار الحرب في غزة واقترابها من دخول شهرها الخامس.
ويعتقد خبراء قانونيون ومحللون سياسيون، في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن القرار يمثل ضغطا على طرفي الصراع للحدّ من تجنب استهداف المدنيين، سواء فيما يتعلق بالعملية العسكرية الإسرائيلية على غزة، وفي الجانب الآخر الضغط للإفراج عن الرهائن المحتجزين في القطاع.
ماذا جرى في جلسة المحكمة؟
• أمرت محكمة العدل الدولية، أعلى محكمة في الأمم المتحدة، إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع ومعاقبة التحريض المباشر على الإبادة الجماعية في حربها في قطاع غزة.
• قالت المحكمة "على دولة إسرائيل أن تتخذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية".
• توصلت المحكمة إلى أن هناك قضية يجب الاستماع إليها حول مدى حرمان الفلسطينيين من حقوقهم في حرب تسببت في ضرر إنساني جسيم بحسب المحكمة.
• محكمة العدل الدولية أحجمت خلال الجلسة، عن إصدار أمر بوقف إطلاق النار في غزة، لكنها طالبت إسرائيل بمحاولة احتواء الموت والأضرار.
• المحكمة قالت إن بعض الحقوق على الأقل التي تسعى جنوب إفريقيا للحصول عليها في دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها ضد حرب إسرائيل على غزة "منطقية".
• لا يتناول الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية الاتهام الأساسي في القضية، وهو ما إذا كانت هناك إبادة جماعية، ولكنه ركز على التدخل العاجل الذي تسعى إليه جنوب إفريقيا.
• صوتت أغلبية كبيرة من أعضاء لجنة محكمة العدل الدولية المكونة من 17 قاضيا لصالح اتخاذ إجراءات عاجلة تغطي معظم ما طلبته جنوب إفريقيا باستثناء توجيه الأمر بوقف العمل العسكري الإسرائيلي في غزة.
• قضى القرار على آمال الفلسطينيين في إصدار أمر ملزم بوقف الحرب في غزة لكنه يمثل أيضا ضربة قانونية لإسرائيل التي كانت تأمل في إسقاط القضية المرفوعة بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي تأسست بعد المحرقة (الهولوكوست).
• دعت المحكمة الجماعات الفلسطينية المسلحة إلى إطلاق سراح الرهائن الذين تم أسرهم في هجمات السابع من أكتوبر على بلدات إسرائيلية، وهو ما عجل باندلاع الصراع.
هل يتوقف القتال؟
أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس الاستشاري للرئيس السابق دونالد ترامب، غبريال صوما، قال إن قرار محكمة العدل الدولية جاء ليمثل ضغطا على طرفي الصراع في حرب غزة، فمن ناحية إسرائيل رفضت المحكمة طلبها بعدم قبول دعوى جنوب إفريقيا، إضافة إلى اتخاذ ما يلزم لمنع التحريض على الإبادة الجماعية، وطلب إيضاحات في هذه المسائل، مع اتخاذ تدابير فعالة للسماح بمزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، إلى جانب الاحتفاظ بكل الوثائق والمستندات الموجودة لديها فيما يتعلق بالحرب على غزة.
ورغم ذلك يعتقد صوما حسبما قال لموقع "سكاي نيوز عربية" أن إسرائيل "لم تخسر من قرار محكمة العدل حيث لم يتطرق إلى طلب وقف إطلاق النار بغزة، ما يعني مواصلة عمليتها العسكرية الراهنة".
وبالنسبة للفصائل الفلسطينية، أوضح أستاذ القانون الدولي، أن محكمة العدل طلبت من حماس وباقي الجماعات بتسليم الرهائن لديها بدون شروط، وهذا يمثل ضغطا لإجبارهم على تسليم المحتجزين لديهم.
وفيما يتعلق بالمسار المستقبلي للقضية، أضاف صوما أنه "بالنسبة لبحث ارتكاب إسرائيل أفعال الإبادة الجماعية، فلا أعتقد أن المحكمة ستعطي قرارا بارتكاب إسرائيل للإبادة، لأن إسرائيل ستدافع عن نفسها باعتبار ما تقوم به ردا على هجمات السابع من أكتوبر، كما أنها ستقدم وثائق تنفي قيامها بارتكاب أفعال إبادة جماعية، إنما هجمات تستهدف أنصار حماس المصنفين كإرهابيين، وعلى أساس هذا المبدأ لا أعتقد أن المحكمة ستدين أي شخص بهذا الجرم في إسرائيل".
وعلى هذا النحو، اعتبر الخبير الأمريكي المتخصص في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، سكوت مورغان، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، قرار محكمة العدل الدولية بأنه "يعني انتصارا لجنوب إفريقيا وإسرائيل في آن واحد".
وأوضح مورغان أنه يمكن لجنوب إفريقيا "أن تدعي النصر حيث صدرت الأوامر لإسرائيل باتخاذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، ومع ذلك، إذا كان الهدف هو جعل محكمة العدل الدولية تفرض وقفا لإطلاق النار في هذا الصراع، فقد باءت هذه الجهود بالفشل، وهنا تدعي إسرائيل النصر".
وبّين أن الحرب في غزة "ستستمر على الرغم من الدعوات الصادرة عن جنوب إفريقيا لإيقافها"، لافتا إلى أن قرار مطالبة الجماعات الفلسطينية بإطلاق سراح الرهائن ستستغله إسرائيل أيضا لصالحها.
غياب آليات التنفيذ
خبير القانون الدولي أيمن سلامة، أوضح في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن محكمة العدل الدولية تمثل منظمة الأمم المتحدة والعدالة الدولية ومن ثم فقرارتها إلزامية لأطراف الدعوى.
ووفق ميثاق المحكمة، وهي أكبر هيئة قضائية في منظمة الأمم المتحدة، فإنها تفصل في النزاعات بين الدول الأعضاء في المنظمة الدولية وقرارتها ملزمة، إلا أن المحكمة لا تملك آلية لفرض تنفيذ تلك القرارات.
ووفق سلامة فإن "إسرائيل لا تستطيع أن تحاجج بقضائها المستقل ولا بنظامها الديمقراطي بعد قرار الهيئة القضائية الدولية الأعلى في العالم بأسره".
وشدد سلامة على أن جنوب إفريقيا قدمت طلبها لمحكمة العدل الدولية يوم 29 ديسمبر، بما في ذلك حماية حقوق ومصلحة جنوب إفريقيا في الدعوى تأسيسا على أنها دولة عضو في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وبالتالي عليها واجب دولي وفقا لهذه الاتفاقية بأن تقوم بمنع ارتكاب تلك الجريمة وملاحقة مرتكبيها من الدول، لأنها محكمة العدل تختص بالحكومات وليس الأفراد.
وأكد أن أوامر محكمة العدل الدولية نهائية وغير قابلة للاستئناف، لكن ما يعيقها أنها ليس لديها آليات لتنفيذ أحكامها وأوامرها، ويبدو من الانتقادات الإسرائيلية للمحكمة أنها لن تنفذ ما سيصدر عنها.
وفي هذا الصدد، اتهم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير محكمة العدل الدولية، بأنها "معادية للسامية"، مدعيا أن قرارها يثبت أنها "لا تسعى إلى العدالة".
كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن "تهمة الإبادة الجماعية الموجهة ضد إسرائيل ليست كاذبة فحسب، بل إنها شنيعة، ويجب على الأشخاص المحترمين في كل مكان أن يرفضوها".
وشدد نتنياهو على أن إسرائيل ستواصل "الدفاع عن نفسها ضد حماس، وهي منظمة إرهابية تمارس الإبادة الجماعية".
وعاد سلامة للتأكيد على أن الدعوى القضائية ستستمر سواءً قبلت إسرائيل بتنفيذ أوامر اليوم أم لم تنفذها، لكنها تستغرق عدة سنوات لحين إصدار الحكم النهائي.
قرار يخدم غزة
بدوره، اعتبر الصحفي المتخصص في الشؤون القضائية، والمتابع لسير جلسات الحكم من لاهاي، محمد مجدي، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن المحكمة حاولت أن يكون قرارها حياديا لأن أمامها أدلة واضحة تقدمت بها جنوب إفريقيا في شكواها، ووصفتها بأنها "منطقية".
وحدد مجدي تبعات قرار المحكمة في عدد من النقاط، قائلا:
- على الجانب الآخر لم تقر المحكمة بأهم طلب قُدم لها وهو وقف إسرائيل لكافة الأعمال العسكرية والعدائية ولم تتطرق له في قرارها، لكن أكدت على إسرائيل ضمان ألا ترتكب أفعالا تؤدي إلى مخالفة اتفاقية الإبادة الجماعية، وبالتالي حاولت المحكمة موازنة القرار ولذا وجدنا وزيرة خارجية جنوب إفريقيا تشير إلى عدم صدور قرار وقف إطلاق النار وهو كان طلبا رئيسا بالنسبة لهم، وتعتقد أن هناك أدلة وجيهة فيما يخص المادة الثانية بارتكاب أفعال الإبادة الجماعية.
- إسرائيل ستقدم تقريرا بعد شهر بإلزامها بإدخال المساعدات وعدم ارتكاب أفعال إبادة جماعية، وأعتقد أن القرارات بمثابة اختبار للحكومة الإسرائيلية بمدى التزامها بأحكام القانون الدولي، وبالتالي فدلالة القرارات السياسية أكبر من دلالتها القانونية.
- القرار جيد بالنسبة لغزة على الصعيد السياسي واستفادة الوضع بالقطاع منه، بمتابعة التزام الحكومة الإسرائيلية بإدخال عدد أكبر من شاحنات المساعدات، والتوقف عن ارتكاب مجازر جديدة.
- على المدى البعيد، فهو أمر جيد خاصة بعدما أقرت المحكمة بأحقيتها في نظر الدعوى وهذا أمر مهم للغاية، وقولها بمنطقية الأدلة المقدمة يفيد الدعوى عند النظر في شقها الموضوعي.
تعليقات
إرسال تعليق