انشغلت أطيافٌ واسعةٌ من السودانيين في مواقع التواصل الاجتماعي الواسعة الانتشار، طيلة الساعات الماضية، بتداول صور وتفاصيل قصة مُحزنة لنهب عُـود الفنان والموسيقار السوداني ذائع الصيت محمد وردي الشهير بفنان إفريقيا الأول، مع ظهور مؤشرات قوية لتعرض إرثه الفني بالكامل للنهب والسرقة والتخريب. تلك التفاصيل المُحزنة شغلت مواقع التواصل الاجتماعي، لتحصد تفاعلاً كبيراً.
مُستخدمو التواصل بالسودان، تناقلوا كذلك مقطع فيديو لجندي تابع للدعم السريع وهو يرسل عبارات التهديد والوعيد من داخل معبد الأسد الأثري الشهير بمنطقة النقعة.
ولم يلبث المقطع المذكور إلّا قليلاً حتى سرى كالنار في الهشيم، كما فجّر موجة غضب ممزوج بتحذير شديد من خطورة تمدد العمليات العسكرية إلى المناطق الأثرية.
كما قُوبل دخول الدعم السريع للمرة الثانية لموقعي النقعة والمصورات بانتقادات حادة، خاصّةً أنّ الموقعين المذكورين يتصدّران قائمة أهم المواقع التاريخية المُسجّلة ضمن التراث الإنساني العالمي في السودان، إذ يضمان تماثيل وآثاراً ومزارات منذ حقبة الحضارة المروية 350 سنة قبل الميلاد حتى 350 بعد الميلاد. وأشهرها معبد الأسد بمنطقة النقعة الأثرية.
في المقابل، دانت الشبكة الإقليمية للحقوق الثقافية (السودان)، خطوة الدعم السريع. وقالت حسب مصادر موثوقة وصور وفيديوهات مبذولة على مواقع التواصل الاجتماعي، إنّ معركة حربية وقعت بين الجيش السوداني والدعم السريع، ما يعرض هذه المواقع للتخريب والدمار والنهب والسرقة، بعد أن خسر السودان كثيراً من الموارد الثقافية والأراشيف الوطنية ومكتبات الجامعات والمراكز الثقافية وصالات العرض خلال هذه الحرب الكارثيّة.
ما هو معبد الأسد بالنقعة؟!
معبد الأسد المار ذكره هنا، شُيِّد في القرن الأول الميلادي بواسطة الملكة أماني توري والملك نتكامني بمدينة النقعة الأثرية، التي تعتبر إحدى المدن المهمة بالمملكة الكوشية في السودان القديم، وتبعد حوالي 170 كلم شمال شرقي العاصمة السودانية الخرطوم و50 كلم إلى الشرق من نهر النيل، وإلى الشمال من منطقة ود بانقا، ويكون الموقع تحديداً عند التقاء وادي العوتيب الرئيسي القادم من منطقة البطانة بالأودية الصغيرة المتجهة شمالاً لنهر النيل.
إرث وردي!
في الحادثة الثانية، انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان بنبأ سرقة عود الفنان والموسيقار السوداني الأشهر محمد وردي، وقال عبد الوهاب وردي نجل الفنان الراحل بأن أحد الأصدقاء شاهد أحد جنود الدعم السريع يحمل العود الثمين بعد سرقته من منزل وردي بحي المعمورة بالخرطوم، وعلى الفور عرض الصديق المذكور على اللص شراء العود فوافق. بعدها أرسل الصديق صورة العود إلى عبدالوهاب الذي أرسلها بدوره إلى أخيه منتصر وردي الذي أكد له أن العود يخص والدهم الموسيقار محمد وردي.
عبد الوهاب كشف تفاصيل تلك الحكاية الحزينة عبر منشور على صفحته بفيسبوك مصحوبة بصورة العود بين يدي والده. مؤكدا في ذات المنشور بأن كل الدلائل تشير إلى تعرض منزل والده للسرقة بالكامل، وإن إرثه الفني الذي لا يقدر بثمن والذي يعد تراثا قوميا وإنسانيا عالميا "أضحى في خبر كان"..
كلمات عبد الوهاب وردي المؤثرة، أشعلت مواقع التواصل بالسودان، كما حصدت تفاعلاً كبيراً.
صانع ربيع الأغنية السودانية!
يُعد الفنان، الموسيقار محمد وردي (1932 - 2012) واحداً من أبرز فناني الغناء والموسيقى السودانيين وأكثرهم شهرة، وله دورٌ كبير في تطوير الموسيقى السودانية ونشرها خارج السودان، ويلقب بفنان أفريقيا الأول لشهرته الأفريقية.
وردي الموصوف بـ"صانع ربيع الأغنية السودانية" لم يكن مغنياً عادياً، بل كان فناناً واعياً بقضايا شعبه وأمته، ويُعد من المبدعين القلائل الذين ألقي بهم في غياهب السجن لمواقفهم السياسية المناوئة لسلطة الحكم.
أهم مميزات محمد وردي أنه فنان كل الناس، يصعب تحديد مسار جمهور وردي، وذلك لأنه غنى لكل الطبقات بمختلف ثقافاتها وألوانها وأعمارها ووجهاتها الجغرافية والتاريخية . ومن أشهر أغنياته "الطير المهاجر"، "الود"، التي قام بتوزيعها الموسيقار الشهير "اندريه رايدر" واكتسبت أغنية "الود" شهرة واسعة خاصة بمقدمتها الموسيقية الطويلة التي لم تكن مألوفة آنذاك في الغناء السوداني.
خسائر مُروعة!
وتعرضت البلاد، لخسائر مُروعة بالآثار والمتاحف منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي، وأشهرها النهاية المأساوية لمتحف التاريخ الطبيعي وإبادة سلالات نادرة وأخرى مهددة بالانقراض. تلك الخسائر الفادحة، لم تقتصر على السودان فحسب، إنما تتعدى ذلك بكثير، لتهز البشرية جمعاء باعتبارها تراثاً إنسانياً عالمياً لا يُقدّر بثمنٍ!!
تعليقات
إرسال تعليق