وضع الوجود العسكري للولايات المتحدة في سورية، القوات الأميركية وسط توترات متصاعدة بين الخصوم المحليين، بينما كانت تقع أيضاً في مرمى نيران الصراعات الإقليمية المتعددة والمتصاعدة. وتصبح الحجة لصالح مغادرة سورية واضحة، بمجرد فحص الدوافع المعادية والمصالح الأميركية المشكوك فيها على نطاق واسع.
ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية دون نهاية في الأفق، أرسلت موسكو على مدى ثماني سنوات، موارد وقوى بشرية كبيرة إلى دمشق. وقد ساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الرئيس السوري بشار الأسد في القضاء على معارضي نظامه. وأرسل بوتين قوات إلى سورية وبدأت الضربات الجوية عام 2015 لمحاربة تنظيم «داعش»، بناء على طلب الأسد. ومع ذلك، منذ الحرب الأوكرانية والانتشار الأميركي على الأراضي السورية، يتعين على روسيا أن تحوّل قوتها الصارمة إلى خطوطها الأمامية.
وحاربت إيران إلى جانب روسيا فترة طويلة أثناء الحرب الأهلية السورية. وأطلقت جهودها الخاصة لإبقاء الأسد في السلطة، من خلال إرسال آلاف الأفراد المسلحين للعمل مستشارين عسكريين وحراساً وقوات خاصة، وقوات على الخطوط الأمامية. وتتقاسم إيران مصالح أيديولوجية مع سورية التي تتعاون أيضاً مع الجماعات المسلحة في العراق ولبنان.
ويقع شمال سورية مباشرة، حيث يوجد ممثلان آخران ينظران أيضاً إلى صراعهما على أنه صراع وجودي: تركيا والأكراد. ومن المعروف عموماً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحمل طموحات لاستعادة الهيبة والأرض. وسيطرت تركيا على أجزاء من العراق قبل ثلاثين عاماً، لاستهداف حزب العمال الكردستاني، وهو المنظمة السياسية الكردية المسلحة، والحركة المسلحة التي تعمل حالياً في المنطقة. وقاد مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، تمرداً منذ عام 1984، حتى قبضت عليه الحكومة التركية. وواصل خلفاؤه المطالبة بدولة كردية مستقلة. واليوم يتمتع حزب العمال الكردستاني بوجود مسجل في شمال شرق سورية، وقد شارك في الاشتباكات الأخيرة التي عرّضت القوات الأميركية والسكان المحليين للخطر. وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب العمال منظمة إرهابية في عام 1997.
علاقة مميزة
وميزت واشنطن علاقتها مع الأكراد من خلال قوات سورية الديمقراطية. ودخلت الولايات المتحدة في شراكة مع قوات سورية عام 2014، واستمرت علاقاتهما بعد تهديد تنظيم «داعش» في شمال شرق سورية.
وهناك خمس جهات فاعلة إضافية تنشط حالياً في سورية. وتعمل قوات سورية الديمقراطية (قسد) كقوة مظلة لوحدات حماية الشعب، والمجلس العسكري السوري، وهي القوة الرائدة في التحالف الأكبر المكوّن من الأكراد والعرب والآشوريين والسريانيين. وأغلبية فلول هذه المجموعات موجودة الآن في أوروبا مهاجرين. وتهدف تركيا المتحالفة مع ما يُعرف بـ«الجيش الوطني السوري» (الجيش السوري الحر سابقاً) إلى إنشاء «منطقة آمنة» ذات وجود أقل في الشمال. ويعمل الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، على تعقيد أهداف الولايات المتحدة في المنطقة، بسبب علاقته المثيرة للجدل مع حزب العمال الكردستاني.
ولمكافحة الوجود المتزايد لتنظيم «داعش» في عام 2014، دخل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في شراكة مع قوات سورية الديمقراطية كاستراتيجية معتمدة للقضاء على المتطرفين في المنطقة، مع تجنّب النشر الجماعي للجنود الأميركيين، في الوقت نفسه. وكان هذا حلاً مؤقتاً للعملية طويلة الأمد التي تجاهلت حقيقة أن التاريخ المثير للجدل مع تركيا، يطارد الفصائل الفرعية لقوات سورية الديمقراطية.
أهداف مشروعة
وتصاعدت التوترات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في الآونة الأخيرة، عندما أعلن مقاتلو حزب العمال الكردستاني القادمون من سورية، مسؤوليتهم عن تفجير قنبلة في أنقرة في الأول من أكتوبر. وبعد أربعة أيام، شنت تركيا هجوماً في شمال شرق سورية رداً على ذلك، واعتبرت ميليشيات وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني «إرهابيين»، وأنهم «أهداف مشروعة» لحملتها، وهي وحدات حماية الشعب نفسها التي تشرف عليها قوات سورية الديمقراطية، حليفة الولايات المتحدة في الحسكة.
وأدى الهجوم الذي وقع في الخامس من أكتوبر إلى مقتل 44 شخصاً، بينهم أفراد أمن ومدنيون. وفي اليوم نفسه، أسقط الجيش الأميركي طائرة تركية بدون طيار مسلحة على بعد 500 متر من القوات الأميركية، وهو ما اعتبر «الإجراء المناسب لحماية القوات الأميركية»، على الرغم من «عدم وجود ما يشير إلى أن حليف أميركا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) كان يستهدف القوات الأميركية عمداً».
استكمال المعركة
تتمركز القوات الأميركية حالياً شمال شرق سورية، في إطار عملية «العزم الصلب»، لاستكمال المعركة الدائمة ضد «داعش».
وفي كل يوم ينبغي على الأميركيين أن يسألوا قادتهم السياسيين كيف يبدو النصر الاستراتيجي في سورية. وعلاوة على ذلك، يتعين على الأميركيين أن يسألوا قادتهم السياسيين عما إذا كانت لديهم خطة لمنع ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (تركيا)، من اللجوء إلى التكتيكات العدوانية التي تعرّض حياة الأميركيين للخطر، وقد أصبح الوضع أكثر تعقيداً، مع تصاعد حرب الظل بين الجماعات المسلحة الشيعية المدعومة من إيران وإسرائيل.
وفي الشهر الماضي، أدت الغارات الإسرائيلية إلى إغلاق مطارين رئيسين في حلب ودمشق في وقت واحد، قبل وقت قصير من قيام وفد من المشرّعين الإيرانيين بزيارة البلاد للقاء المسلحين الفلسطينيين.
فسورية وإيران حليفتان سياسيتان وعسكريتان منذ فترة طويلة، وقد أدى تحالفهما إلى تعزيز الاعتماد المتزايد على التجارة المتبادلة، والدعم العسكري. وقال الأسد إن الضربات الإسرائيلية مبررة تحت ستار الوجود الإيراني، لكنها مستمرة في استهداف الجيش السوري. وبالنظر إلى أن إيران عدو قديم للولايات المتحدة، فمن الحتمي أن يتصادم الطرفان على الأراضي السورية. وقد ثبت ذلك في وقت سابق من هذا العام، عندما أصدر الرئيس الأميركي، جو بايدن، تحذيراً لطهران، بعد أن هاجمت الميليشيات المدعومة من إيران مقاولاً عسكرياً أميركياً وقتلته.
• لمكافحة الوجود المتزايد لتنظيم «داعش» في عام 2014، دخل الرئيس باراك أوباما في شراكة مع قوات سورية الديمقراطية كاستراتيجية معتمدة للقضاء على المتطرفين في المنطقة.
تعليقات
إرسال تعليق