لم يكتف الرئيس قيس سعيد بالمراقبة وإجهاض محاولة التسميم السياسي للعودة المدرسية، بل بادر بحث الحكومة على التدخل لزيادة المساعدة المالية الخاصة بالعودة المدرسية لفائدة نحو 500 ألف تلميذ من أبناء العائلات محدودة الدخل، من 50 إلى 100 دينار (من 16.17 إلى 32.34 دولار).
يأتي هذا في وقت يقول فيه مراقبون إن هذه الخطوة هي رسالة من قيس سعيد إلى النقابات مفادها أن الدولة عندما يتوفر لها المال فإنها توجهه لمن يستحق أكثر من مؤسسات خاسرة ورواتب تشعل التضخم في البلاد.
وكانت حكومات ما قبل 25 يوليو 2021 تركز جهدها على استرضاء اتحاد الشغل بتنفيذ مطالبه ومطالب النقابات التابعة له، ولا تجد الوقت ولا الإمكانية في الالتفات إلى الفئات الضعيفة التي تدفع فاتورة الصراع بين الحكومة والنقابات، وخاصة أن الزيادات التي يحصل عليها القطاع العام تحت وقع الإضرابات والاعتصامات كانت تؤدي إلى التضخم وارتفاع الأسعار بشكل كبير.
◙ الدولة عندما يتوفر لها المال فإنها توجهه لمن يستحق أكثر مما توجهه إلى مؤسسات خاسرة ورواتب تشعل التضخم
ويشير المراقبون إلى أن الدعم المالي، على محدوديته، يؤكد أن حكومة الرئيس سعيد تفكر في الفئات الفقيرة، خاصة أنها فعلت ذلك في قلب الأزمة المالية التي تعيشها تونس، وفي ظل صعوبة تحصيل تمويلات خارجية.
ومن شأن هذه الخطوة أن تسحب البساط من تحت أقدام قيادات اتحاد الشغل، وخاصة بعد تصريحات أمين عام الاتحاد نورالدين الطبوبي التي لوح فيها بالتصعيد مع بداية الموسمين السياسي والدراسي الجديدين.
وعادة ما يراهن الاتحاد على تحرك التلاميذ والطلاب في الاحتجاجات التي يدعو إليها. لكن هذه المرة لن يجد تفاعلا كبيرا بسبب خطوة الحكومة التي سيصل دعمها إلى نصف مليون تلميذ.
وبهذه المساعدة، فإن الدولة تكون قد دعمت العائلات مرتين، في الأولى عندما تبادر إلى دعم التجهيزات نفسها من كتب وقراطيس والتي تصرف عليها الدولة الكثير، وفي الثانية عندما تبادر بتقديم 100 دينار مساعدة لأصحاب الدخل المحدود، وهي بذلك تقوم بدور كبير ومعتبر في تسهيل الأمر رغم رمزية المساعدة.
وما قدمته الحكومة سواء بمساعدة العائلات أو تحسين أوضاع المدرسين وقرار توظيف مئات آخرين شيء مهم، وفي كل الأحوال فهو أجدر من كل مطالبات اتحاد الشغل الذي يدافع عن فئة محدودة من الموظفين في القطاع العام وتمنع احتجاجاته وضغوطه الدولة من الالتفات للفئات الفقيرة ومحدودة الدخل.
واعتبر المراقبون أن الرئيس سعيد فعل ما لم تفعله الحكومات السابقة، وأنه بادر، ولم يتعلل بالظروف الصعبة، ليثبت أنه أقرب إلى الناس، وخاصة الفئات الفقيرة التي كانت وراء صعوده إلى الرئاسة بنسبة عالية، وتستمر في دعمه ومساندته.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “من المفروض أن تكون هناك آليات لتقديم المساعدات في عدة قطاعات من بينها التعليم والصحة ولوازم فصل الشتاء مع اشتداد البرد، كما يفترض أن يشتغل المجتمع المدني أيضا على ذلك”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “بفعل الأزمة هناك انكماش في مستوى المؤسسات الاقتصادية في علاقة بالأعمال الخيرية، والأحزاب والنقابات ليست وسيطا بين رئيس الجمهورية والمجتمع”.
ولفت ثابت إلى أن “تلك التنظيمات السياسية كانت لديها القدرة المالية لتوسيع دائرة المساعدات على عموم المجتمع، بل كانت تدعم جيشها الانتخابي للحزب أو الحركة كضمانة لكتلة انتخابية وازنة”.
وأقرت السلطات التونسية الجمعة حزمة إجراءات لإنجاح العودة المدرسية والجامعية للسنة الدراسية الجديدة 2023 ـ 2024 من خلال الترفيع في المساعدة المالية الخاصة بالعودة المدرسية لفائدة نحو 500 ألف تلميذ من أبناء العائلات المعوزة ومحدودة الدخل، إضافة إلى “مساعدات موجهة إلى طلاب الجامعات والأطفال في المراحل الأولى من التعليم” وهو ما مثل مكسبا لأصحاب الدخل المحدود في تونس والذين يعانون من تدهور المقدرة الشرائية مع استمرار الأزمة المالية.
وسعت السلطات التونسية إلى تجاوز أزمة عانت منها العائلات الفقيرة خلال العودة المدرسية الماضية من خلال نقص في الكراس والكتب المدعمة في السوق حيث تقوم السلطات السنة الحالية بدعم تلك العائلات من خلال توفير الكتب والكراس المدعم في السوق بالشكل الكافي وكذلك تقديم إعانة مالية عينية.
وشدد بيان نشرته الحكومة التونسية عبر حسابها الرسمي على فيسبوك، عقب اجتماع عقده رئيسها أحمد الحشاني مع عدد من الوزراء الجمعة على “عمل مختلف الوزارات على ضمان توفير الكراس المدعم (مستلزمات مدرسية) بالكميات الكافية والعمل على حسن توزيعه والتصدي لكل ممارسات الاحتكار”.
ولفت إلى “إحداث 10 مؤسسات تربوية جديدة (مدارس ابتدائية وإعدادية)، وبناء 400 قاعة بالمدارس، إلى جانب توفير 95 حافلة لنقل الطلاب و12 عربة لنقل الطعام إلى المدارس” في اطار الجهود الحكومية لإنجاح العودة المدرسية وتخفيف الضغوط المالية عن العائلات الفقيرة.
وذكر البيان أنه تم إقرار “الترفيع في أجور خريجي الإجازة في علوم التربية لسنة 2023، وللمدرسين النواب (لم يحدد نسبة الزيادة)، مع توفير التغطية الاجتماعية، والترفيع بنفس النسبة في إطار العقود الخاصة بسد الشغورات الطارئة”.
وأضاف أنه “سيتم انتداب 100 خطة من خريجي دار المعلمين العليا (مدرسون)، وتسوية وضعية 1018 مدرّسا للتربية الاجتماعية (تعليم الكبار) في إطار مجهود الدولة لمحو الأمية”.
يأتي ذلك في ظل أزمة شهدتها السنة الدراسية الماضية منذ بدايتها في سبتمبر 2022، بين وزارة التربية ونقابة التعليم (تتبع للاتحاد العام التونسي للشغل)، تعثرت خلالها المفاوضات بين الجانبين.
تعليقات
إرسال تعليق