وكان إعلان اللجنة الوطنية للانتخابات في يوليو الماضي عن موعد الانتخاب قد أثار أسئلة حول مدى ملاءمة القوانين والتشريعات الانتخابية مع ما تروّج له الحكومة حول سياسة الانفتاح والتمكين وإشراك المواطنين في رسم مستقبل دولة الإمارات، وتوسيع صلاحيات المجلس.
ويعتبر المجلس الوطني الاتحادي، أحد السلطات الاتحادية الخمس المنصوص عليها في الدستور، وهي المجلس الأعلى للاتحاد، رئيس الدولة ونائباه، مجلس الوزراء، المجلس الوطني الاتحادي، القضاء الاتحادي.
وتقوم رسالة المجلس على تمثيل شعب الاتحاد من خلال أداء أدواره التشريعية والرقابية والبرلمانية كسلطة داعمة ومساندة ومرشدة للسلطة التنفيذية وتعزيز المشاركة السياسية للمواطنين.
وبحسب ما جاء في إعلان اللجنة الوطنية للانتخابات، فقد تم اعتماد 7 أكتوبر المقبل، موعدا لليوم الرئيسي لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي، في دورته الخامسة، وذلك في مراكز الانتخابات المُعلن عنها، وكذلك للانتخاب عن بُعد.
كما سينطلق التصويت المبكر، والذي يسمح لأعضاء الهيئات الانتخابية الإدلاء بأصواتهم - مبكراً - قبل يوم الانتخاب الرئيس، 4 أكتوبر ولمدة يومين، من خلال نظام التصويت الهجين (في مراكز الانتخاب المحددة وعن بُعد عبر الإنترنت)، على أن يُخصص يوم 6 أكتوبر للتصويت المبكر عن بُعد فقط، وهو ما يتيح للناخب الإدلاء بصوته من أي مكان سواء داخل الدولة أو خارجها، وذلك من خلال استخدام التطبيقات الرقمية التي تقررها اللجنة الوطنية للانتخابات.
ووفق الجدول الزمني، فقد افتتح باب الترشح في 15 أغسطس الجاري لمدة أربعة أيام، على أن يتم إعلان قائمة المرشحين النهائية في 2 سبتمبرالمقبل، أما الحملات الانتخابية للمرشحين، فستبدأ يوم 11 سبتمبر.
لجان الانتخابات تستقبل طالبي الترشح في اليوم لاستقبال الطلبات - 15 أغسطس 2023
انتخاب المجلس
رغم تأكيد الحكومة - في أكثر من تصريح - أن عملية اختيار أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، ليست إلا خطوة أولى في عملية تدريجية ستؤدي في نهاية المطاف إلى منح جميع الإماراتيين حق الاقتراع لانتخاب نصف أعضاء المجلس، الذي قالت إنه سيتم منحه المزيد من الصلاحيات في المستقبل، إلا أن واقع الحال يشير إلى وعود بعيدة المنال، بالمقارنة مع القرارات الحكومية الصادرة في كل دورة انتخابية جديدة، دون تحديد سقف زمني لتطبيقها.
وعلى الرغم من مضي 17 عاما على إجراء الدولة أول انتخابات في تاريخها - أجريت في العام 2006 - إلا أن نسبة الناخبين المواطنين الذين سُمح لهم بالانتخاب، لم تتجاوز وفق آخر زيادة أُقرت العام الجاري، 39 في المائة.
آلية الانتخاب
ويضم المجلس، الذي تبلغ مدته أربع سنوات، 40 عضوا، يتم انتخاب نصفهم، والنصف الآخر، يتم اختيارهم من قبل حكام الإمارات السبع.
وتشغل إمارتا أبوظبي ودبي ثمانية مقاعد في المجلس لكل منهما، مقابل ستة للشارقة ورأس الخيمة، وستة لكل من الفجيرة وعجمان وأم القيوين.
أما من يحق لهم الانتخاب (الناخبون)، فيتم اختيارهم من كل إمارة وفق شروط غير مُعلنة، ويُطلق عليهم اسم "الهيئة الناخبة"، حيث يحق لهم انتخاب النصف المتاح من الممثلين في المجلس الوطني.
وتمت زيادة عدد "الهيئة الناخبة" هذه السنة لتناهز 398 ألفاً، في مقابل 337 ألفاً في العام 2019، من أصل مليون نسمة هم السكان الأصليون في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة معظمهم من الأجانب، وفق المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء.
وتضم قوائم "الهيئات الانتخابية" (الناخبين) الواردة للجنة الوطنية للانتخابات من دواوين أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، وحسب التوزيع الجغرافي لها على النحو التالي: 126 ألفاً و779 عضواً في إمارة أبوظبي، و73 ألفاً و181 عضواً في إمارة دبي، و72 ألفاً و946 عضواً في إمارة الشارقة، و12 ألفاً و600 عضو في إمارة عجمان، و7577عضواً في إمارة أم القيوين، و62 ألفاً و197 عضواً في إمارة رأس الخيمة، و43 ألفاً و599 عضواً في إمارة الفجيرة.
الجدول الزمني لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي 2023
الصوت الواحد
ولا يقتصر مآخذ انتخاب أعضاء المجلس الوطني الاتحادي على انتقاء الحكومة للناخبين والمرشحين على حد سواء، ناهيك عن التعيينات فحسب، بل يتعداه إلى إشكالية نظام التصويت.
حيث أقرت الحكومة التصويت وفق "نظام الصوت الواحد"، في انتخابات الدورة الحالية، والذي سيُطبق للمرة الثالثة على التوالي في انتخابات المجلس الوطني 2023؛ حيث يختار الناخب على إثره مرشحا واحدا فقط من بين المرشحين المسجلين في القائمة الانتخابية لإمارته، على عكس ما كان معمول به في انتخابات عام 2007 و2011.
ما يعني أنه ليس النظام الانتخابي المعروف القائم على اختيار ناخب واحد مرشحاً واحداً للدائرة الانتخابية (مقعد واحد في البرلمان) بل "نظام مجزوء حيث يختار الناخب شخصاً واحداً بين الأربعة المقاعد تمثل الدائرة الانتخابية، فهو صوت واحد ولكنه مجزوء وليس كاملاً".
وهذا النظام الجديد وضعته وفرضته الحكومة ولم يتم مناقشته في المجلس الوطني الاتحادي قبل 2015.
وقد واجه "نظام الصوت الواحد"، انتقادات واسعة من قبل أعضاء سابقين في المجلس الوطني، الذين أكدوا أنه لا حاجة له في دولة الإمارات، باعتبار أن الدول العربية التي طبقته كان هدفها تحجيم فوز المعارضة الإسلامية لديها، أما في الإمارات فإن طبيعة الانتخابات فيها يعتمد على هيئة انتخابية انتقائية لا تسمح بترشح أي ناشط للانتخابات من الأساس بحيث يدفع لإقرار هذا النظام الذي يعتبر أحد قيود حرية الاختيار وفق ما يذهب إليه المراقبون.
ولا تسمح دولة الإمارات بإجراء انتخابات مباشرة أو بوجود أحزاب سياسية.
وعدا عن الإمارات والكويت والأردن وتشيلي وليبيا، لا وجود لنظام الصوت الواحد في أي من الديمقراطيات المعاصرة، ومن طبّقته أوقفت العمل به بعد تجربته.
استبدال المرشح
وفي إجراء نادر في قوانين الانتخابات حول العالم؛ منحت "اللجنة الوطنية للانتخابات" الناخب الحق في استبدال المرشح الذي اختاره لأكثر من مرة في حال أراد ذلك، ما يسمح للناخب بالتراجع عن اختياره السابق واختيار مرشح جديد؛ في إجراءات لم تكن موجودة في الانتخابات السابقة في البلاد.
وأوضحت اللجنة عبر موقعها الإلكتروني أن قرارها رقم (25) لسنة 2023 في شأن التعليمات التنفيذية لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي، أجاز في مادة رقم 46 من الفصل السادس والخاص بقواعد الانتخاب، للناخب تبديل اختياره للمرشح – أكثر من مرة – خلال فترة "التصويت المبكر" وحتى انتهاء الانتخاب في يوم "الانتخاب الرئيس"، حيث يحق للناخب اختيار المرشح في اليوم الأول للانتخابات (4 أكتوبر)، مع إمكانية تغييره أكثر من مرة حتى اليوم الأخير للاقتراع (7 أكتوبر).
ومن شأن هذه الخطوة أن تؤدي للإخلال بنزاهة الانتخابات، وفتح باب التلاعب بالأصوات عبر السماح للمرشحين المنافسين بالتأثير على الناخب وتغيير قناعته، خصوصاً مع فرض السلطات قانون "الصوت الواحد".
وتنص آلية اعتماد الأصوات على اعتماد التصويت الأخير للناخب لتحديد المرشح الذي صوت له بصفة نهائية، سواء تم التصويت الأخير عبر التطبيق الالكتروني "عن بعد" أو من خلال الحضور والأداء بالصوت الانتخابي في مراكز الانتخاب المعتمدة.
مواطنون يدلون بأصواتهم في انتخابات المجلس الوطني 2019
دور المجلس
ووفق البوابة الرئيسية لحكومة الإمارات، يعتبر المجلس الوطني الاتحادي الجهة البرلمانية الممثلة لشعب دولة الإمارات أمام الحكومة الاتحادية، ويمثل السلطة الاتحادية الرابعة بالبلاد.
لكنه وعلى الأرض، يُعد المجلس - الذي تشكل في العام 1972 بعد سنة على استقلال الامارات - مجرد هيئة استشارية تقدم اقتراحات للحكومة، ولا تستطيع عرقلة القوانين التي يصادق عليها المجلس الاعلى للاتحاد.
كما أنه ليس للمجلس صلاحيات تشريعية أو رقابية، وهو يستعرض القوانين ليس أكثر، ويقدم توصيات غير ملزمة للمجلس الاتحادي الأعلى الذي يضم حكام الإمارات السبع.
الأمر الذي دفع نشطاء وحقوقيين، إلى تقديم عريضة رفعوها لرئيس الدولة في مارس 2011، للمطالبة بانتخاب كامل أعضاء المجلس الوطني الاتحادي بالاقتراع المباشر، فضلا عن تعزيز صلاحيات هذه الهيئة التي لا تملك سلطات تشريعية أو رقابية.
الا أن السلطات الرسمية، ردت على العريضة باعتقال الموقعين عليها، وممارسة العقاب ضد عائلات وذوي المعتقلين، إلى جانب ملاحقة موقعين آخرين واعتقالهم بالدول.
فهل تفي الدولة بوعودها بإشراك جميع الإماراتيين بالانتخابات، وإعطاء صلاحيات إضافية للمجلس، ليقوم بدوره كبرلمان يمثل شعب الإمارات، أما سيبقى "صوريا" وذراً للرماد في عيون الديمقراطية؟
تعليقات
إرسال تعليق