تتجه الجزائر إلى تحسين علاقاتها الاقتصادية مع فرنسا، بمناسبة زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس شهر يونيو (حزيران) المقبل، في الوقت الذي تسير فيه علاقاتها مع إسبانيا نحو مزيد من الجفاء، بعد عام من «حادثة خروج مدريد عن حيادها في نزاع الصحراء»، ما دفعها إلى تجميد التجارة مع الجارة المتوسطية باستثناء ما يتعلق بعقود الطاقة.
وتشير تقديرات وسائل إعلام إسبانية إلى أن خسائر توقُف التجارة مع الجزائر فاقت 600 مليون دولار، تكبدتها شركات إسبانية بين منتصف عام 2022 حتى مارس (آذار) 2023، وتمثلت بشكل خاص في منتجات غذائية، ولحوم الماشية، ومواد نصف مصنعة مرتبطة بالبناء والبنية التحتية والأشغال العامة. واحتجت هذه الشركات مراراً لدى الحكومة في مدريد، بغرض الضغط عليها للبحث عن تسوية عاجلة مع الحكومة الجزائرية التي من جهتها تظل مصرّة على موقف القطيعة مع مدريد، ما لم تتراجع عن دعمها خطة الحكم الذاتي المغربية الخاصة بالصحراء.
ووفق مصادر سياسية جزائرية رفيعة «لا يوجد في أفق العلاقة مع إسبانيا أي شيء جديد يدفع للعودة إلى ما كانت عليه مطلع العام الماضي»، في إشارة إلى رسالة رفعها رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى ملك المغرب محمد السادس، يؤكد فيها انحياز إسبانيا إلى مقترح الحكم الذاتي، ما شكَّل في نظر الجزائر خروجاً عن الحياد في القضية، من جانب القوة الاستعمارية السابقة بالمنطقة المتنازع عليها.
ومن نتائج تغيُر الموقف الإسباني من الصحراء أيضاً، قرار الجزائر تعليق «معاهدة الصداقة وحسن الجوار» الموقّع عليها عام 2002.
وأثار تعاطي الجزائر مع هذه التطورات امتعاضاً لدى السلطات الإسبانية. وصرّح وزير الخارجية خوسيه مانويل ألفاريس، أن بلاده «لن تؤجج خلافات عقيمة»، مدافعاً عن «قرار سيادي اتخذته إسبانيا في إطار القانون الدولي، وليس هناك شيء آخر يمكن إضافته». وفهمت الجزائر من هذا الكلام أن شريكها الاقتصادي المتوسطي يقدّم علاقته مع «الغريم المغربي، على الاعتبارات التي تخص علاقاتهما القديمة» التي كانت دائماً مبنية على منطق براغماتي.
وقياساً إلى آخر تصريحات للرئيس عبد المجيد تبون حول العلاقات مع إسبانيا، لا يبدو أن الجزائر مستعدة لحل الخلاف من دون موافقة مدريد على شروطها. كما أنها تترقب تغيرًا في الخريطة السياسية في إسبانيا، يفضي إلى رحيل رئيس الحكومة سانشيز، الذي تحمّله شخصياً، قرار تغيير البوصلة في ملف الصحراء.
وأكد الرئيس تبون بهذا الخصوص، في تصريحات للصحافة الشهر الماضي، أن «ما فرضه السيد سانشيز على الإسبان (دعم مقترح الحكم الذاتي) سيتغير، بحدوث تغيير في الحكومة (الإسبانية)». مبرزاً أن التجارة مع إسبانيا ستظل مجمدة باستثناء إمدادها بالطاقة «لأن الغاز الجزائري يستفيد منه الشعب الإسباني وليس سانشيز». كما قال: «إسبانيا تبقى دولة صديقة، وتربطنا بها علاقة طيبة جداً، لم تتغير مع الأجهزة الحكومية الإسبانية، ولا مع الشعب، ولا القصر الملكي».
وفي إطار «مناكفة» مدريد وإلحاق مزيد من الضرر الاقتصادي بها، عززت الجزائر، بشكل لافت، علاقاتها مع إيطاليا بضخ مزيد من الغاز إليها في الفترة الماضية، تعويضاً عن الغاز الروسي الذي جرى قطعه في سياق الحرب الحالية في أوكرانيا.
وصدَّ الجزائريون محاولات متكررة للاتحاد الأوروبي، لرأب الصدع مع إسبانيا. فقد زارهم ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، الإسباني جوزيب بوريل، في مارس الماضي، بغرض تليين الموقف، وعلى أساس أن مقاطعة التجارة مع إسبانيا تخلّ بتعهدات الجزائر الواردة في اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي (2005)، الذي تطالب الجزائر أصلاً بمراجعته جذرياً، بذريعة أنه «مجحف» باقتصادها، غير أن بوريل فشل في مهمته.
تعليقات
إرسال تعليق