لفتت تونس انتباه العالم خلال فترة انتشار جائحة كورونا بالروبوتات الآلية التي عاضدت أجهزة الأمن في إلزام المواطنين ملازمة بيوتهم، تطبيقاً للحجر الصحي الذي فُرض، وساعدها ذلك في الوصول إلى تسجيل "صفر حالة كوفيد" قبل غيرها، وذلك قبل أن تفتح حدودها بالكامل وتحصل الكارثة. وكانت تلك الروبوتات صناعة تونسية صرفة، اكتشف من خلالها العالم مدى تطور الصناعات التكنولوجية والقطاع الصناعي بوجه عام، رغم تدهور قطاعات أخرى على غرار السياحة والفلاحة نتيجة للأوضاع الاستثنائية التي يعيشها البلد.
ولعل الجديد في مجال الثورة التكنولوجية التي تعيشها تونس، إن صح التعبير، هو غزو الروبوت التونسي للأسواق الفرنسية، بعدما تزايد عليه الطلب ولفت انتباه القائمين على أمن المطارات والموانئ والشركات الكبرى والمصانع، بعدما شهد عمليات تطوير لقدراته في الحراسة. كما لفت الروبوت التونسي انتباه بلدان القارة الأميركية حتى باتت قدرته على معرفة الأشياء مثاراً للإعجاب، وهناك توجه من الشركة المصنعة نحو اقتحام أسواق كل من السعودية والمغرب.
استخدامات جديدة
والروبوت التونسي، بفضل ذكائه الاصطناعي وعمليات التطوير، بات بإمكانه أن يتعرف إلى أشياء كثيرة على غرار أرقام اللوحات المنجمية للعربات وبدايات نشوب الحرائق. كما بإمكانه اكتشاف الأشخاص المريبين ومرتكبي السرقات، وأن يشحن بطاريته بصفة فردية لفترة تكفي للقيام بمهامه طيلة يوم كامل، بعدما كانت بطاريته لا تكفي سوى لثماني ساعات فقط.
وتنتج هذا الروبوت شركة تسمى "إينوفا روبوتيكس" أسسها المهندس التونسي أنيس السحباني سنة 2014، ويعمل فيها مهندسون تونسيون أكفياء، وتعتبر فريدة من نوعها عربياً وأفريقياً لنجاحها في تصنيع روبوتات في مجالات عديدة. وهناك شركات تونسية أخرى تعمل في هذا المجال، وبدأت تحقق نجاحات لافتة رغم ضعف الإمكانات المادية والأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس منذ أكثر من عقد من الزمان.
مجالات عديدة
وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس جمعية "تونس تنتج" معز حريزي لـ"النهار العربي"، إن تونس في السنوات الأخيرة، وبخاصة الشركات الناشئة والعاملة في مجال البرمجيات، حققت نجاحات لافتة، ومنها "الروبوت" الذي اعتمدته وزارة الدفاع الفرنسية أخيراً وألحقته بفرقها العسكرية. كما نال الروبوت التونسي، بحسب الحريزي، اهتمام مؤسسات من دول أوروبية يلقى فيها رواجاً.
ويضيف حريزي أن هناك عدداً هاماً من الشركات التونسية التي حققت نجاحات كبيرة أخيراً، مثل شركة "انستاديب" instadeep التي هي شركة تونسية ناشئة مختصة ببرمجيات الذكاء الاصطناعي في الاستخدامات الطبية، وقد طورت زمن الكورونا برمجيات قائمة على الذكاء الاصطناعي، توضع في التحاليل الاستباقية للأمراض، وحققت فيها نجاحاً كبيراً. وأيضاً هناك شركات التعليم التي تدرّس التكنولوجيا الحديثة والمهن الجديدة عن بعد، وهي موجودة في 11 بلداً في الشرق الأوسط وأفريقيا. ولدينا أيضاً شركات الهندسة والبرمجيات مثل vermeg "فرماك" التي نجحت في تسويق منتجاتها وخدماتها الهندسية في عدد من الدول الأوروبية أيضاً نجد شركة telnet "تلنات" التي تقدم خدمات تكنولوجية وهندسية في عدد من الشركات حول العالم، وهي أول شركة عربية وأفريقية تنجح في تصميم قمر اصطناعي وإطلاقه".
سياسات التسعينات
ويرى حريزي أن هذه النجاحات هي ثمرة سياسات الدولة في التسعينات، فقد وضعت الحكومات آنذاك، استراتيجيات وسياسات في مجال الثورة المعلوماتية، ودعمت انخراط الطلبة التونسيين والشباب في مجال الدراسات الهندسية والمعلوماتية والبرمجة وغير ذلك. كما وفرت الكوادر التعليمية والأساتذة الجامعيين والبرامج التعليمية، ووضعت أيضاً برنامجاً لتشجيع الحواسيب، وكانت تونس من أوائل الدول العربية التي أدخلت الإنترنت، وكل ذلك في إطار سياسات لدعم هذا القطاع.
وهذا ما يفسّر، بحسب حريزي، الطلب الكبير في السوق الأوروبية على المنتجات التونسية الإلكترونية في السنوات الأخيرة، وخصوصاً فرنسا وألمانيا. كما أن هذه النجاحات انعكست على المهندسين التونسيين في مجال المعلوماتية والكمبيوتر من متخرّجي مؤسسات التعليم العالي التونسية، والذين يتم استقطابهم بصورة لافتة في كبريات الشركات العالمية المختصة.
تعليقات
إرسال تعليق