نادية أبوالفتوح، 46 عاما، من حي بولاق ،تخرجت في كلية العلوم جامعة عين شمس، وحاصلة على ماجيستير في علوم الحيوان: «جوزي اتوفى من 3 سنين بسبب سرطان في البنكرياس، كان شغال في قطاع خاص فملهوش معاش.. عندي 4 بنات وولد ،
بنتي الكبيرة نورهان في كلية طب، وأدهم في معهد تمريض، وناريمان في ثانوية عامة، وإنجي في 3 إعدادي، وأصغر واحدة نوران 4 سنين»،
تذهب «نادية» إلى عملها في مركز البحوث الزراعية، بدءًا من الأحد وحتى الخميس من الساعة الـ 8 صباحًا وحتى الـ 2 ظهرًا، تعود بعدها إلى المنزل لتبدأ في حلقة أخرى من سلسلة التعب كأم وربة منزل: «معنديش أصحاب ولا بتعامل كتير مع الجيران، عِشرة الناس الكتيرة مش حلوة، لما حد بيتعرَّف عليك وبيكون قريب منك بيضرك في الآخر مبينفعكش، التعامل السطحي أفضل إنما التعامل المتعمق بيضر.. أنا جربت واتضريت كتير».
الجمعة والسبت هما يوما الإجازة لـ«نادية» من عملها كموظفة، إلا أنهما لم يكونا إجازة لها كأم؛ إذ تستيقظ كعادتها وتذهب من حي بولاق الدكرور إلى حي الدقي، حاملة بعضًا من علب المناديل لتبيعها وتستعين بجنيهاتها القليلة في تحمل مصاريف أبنائها: «مبرضاش أركب مواصلات، بتمشى.. لو ركبت هدفع 5 جنيه رايح و 5 جنيه راجع، كدا 10 جنيه وأنا ممكن مجيبهاش طول اليوم.. بستخسرهم فبمشي وربنا مديني صحة»، وفقًا لـ«نادية» وأنها مع بدء إغلاق المحال التجارية في الساعة الـ 10 مساءً تتررك الشارع عائدة إلى منزلها.
تستكمل الأم حديثها بأن المرتب الذي تأخذه من عملها كموظفة مضافة إليه الجنيهات التي تجنيها من بيع المناديل، لا يكفي؛ إذ تحتاج ابنتها «نورهان»، وهي طالبة بكلية الطب جامعة القاهرة، إلى 3000 جنيه مصاريف شهرية، بالإضافة إلى مصاريف الدروس الخصوصية لابنتيها «ناريمان» و«إنجي»، وأن هذا العجز بين المرتب والمصاريف، تتساقط تبعاته على نصيب الأسرة من الطعام؛ إذ أنها تولي الاهتمام الأكبر لإيجار الشقة ومصاريف دراسة أبنائها، ما جعل الأبناء في بعض الأوقات يتهمونها بالتقصير في حقهم.😔
«بنتي نورهان بتقولي أنا مفيش في إيدي حاجة أعملها.. أنا لو أقدر أشتغل أو أقلل من مصاريفي كنت عملت كدا، إنما المصاريف دي غصب عني»، كما روت الأم، وأنها لا تستطيع سوى تلبية طلبات ابنتها، ما يجعلها تضطر في بعض الأحيان إلى الاستغناء عن بعض الأشياء في شقتها وبيعها، مثل بعض أدوات المطبخ.
«نفسي في تلاجة وكدا يبقى كفاية أوي.. الواحد ممكن يعيش من غير تليفزيون إنما التلاجة مهمة أوي في البيت»، تلك هي أمنية «نادية»، والتي بالرغم من جلوسها على رصيف شارع ممتلئ بالمحال التجارية الضخمة ومكتظ بمن هم في رغدٍ من الحياة، إلا أن كل ذلك لم يمنعها من الإحساس بالرضا والشكر: «إحساسي منتهى الرضا باللي ربنا كتبهولي.. ربنا خلق الناس درجات في كل حاجة: في الصحة وفي المال وفي أعمال الخير.. مبستكترش عيشة حد عليه ولا بقول إشمعنى»، هكذا قالت «نادية»، والتي راحت تنهي كلامها وقد بدأت الدموع تتساقط على خديها: «اللي بيأثر فيا مش أني أشوف واحد معاه فلوس ويدخل يشتري من المحل، إنما اللي بيأثر فيا أني أشوف واحدة جوزها معاها وأنا لأ».
تعليقات
إرسال تعليق