في العقدين الأخيرين، بل وقبلهما أيضاً، ازداد الميل للتحوّل إلى الصحافة الرقمية بديلاً عن الورقية، التي كانت سمة لعصور امتدّت قروناً. مع اتساع تأثير وسائط التواصل الجديدة، عبر شبكة الانترنت، ونشوء أجيال جديدة حرّة من علاقة التعلق بالورقي، كتباً كان أو صحفاً ومجلات، بات التوجه نحو الصحافة الرقمية هو الغالب، خاصة مع اتساع ضعف الإقبال على شراء وقراءة النسخ الورقية، وهو ميل سيزداد في المرحلة المقبلة.
لكن ما بدا حتى الآن محصوراً في الانتقال من الورقي إلى الرقمي، سيطال في الأفق التحول من محطات الإذاعة أو التلفزة التي اعتدنا سماعها أو مشاهدتها، نحو البث عبر الوسائط الرقمية، ومن علامات ذلك ما أعلنت عنه هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» من أنها تخطط لتسريح مئات العاملين لديها بالتزامن مع إغلاق إذاعاتها بعدة لغات، بينها العربية.
عللت «بي. بي. سي» خطتها هذه بكونها جزءاً من برنامج لخفض التكاليف والانتقال إلى المنصات الرقمية، مشيرة إلى أن خدماتها الدولية بحاجة إلى تحقيق وفورات بقيمة 28.5 مليون جنيه إسترليني (31 مليون دولار) كجزء من تخفيضات أوسع بقيمة 500 مليون جنيه إسترليني، والتي ألقت النقابات باللوم فيها على الحكومة البريطانية، ويذكر أن خدمة «بي بي سي» العالمية تبث حالياً ب41 لغة حول العالم مع جمهور أسبوعي يبلغ نحو 364 مليون شخص.
لم تكتف الهيئة بهذا التبرير «المالي» المتصل بالحاجة لتقليص النفقات، إنما أضافت إلى ذلك سبباً فحواه أن عادات الجمهور آخذة في التغير وأن المزيد من الناس يصلون إلى الأخبار عبر الإنترنت، وهو ما يعني أنه في ظل تجميد تمويل «بي بي سي» من الحكومة وزيادة تكاليف التشغيل، فإن الانتقال إلى «الرقمية أولاً» يبدو منطقياً من الناحية المالية.
الهيئة كانت قد انتقلت بالفعل، قبل ذلك، إلى البث الرقمي بإحدى عشرة خدمة إذاعية باللغات الأذربيجانية والبرازيلية والماراثية والعالمية الإسبانية والبنجابية والروسية والصربية والسنهالية والتايلاندية والتركية والفيتنامية، وبموجب الخطة الجديدة ستنضم إليها سبع لغات أخرى هي العربية والفارسية والقرغيزية والهندية والبنغالية والصينية والإندونيسية والتاميلية والأوردية.
لن يتم ذلك تلقائياً، فالأمر يتطلب موافقة الموظفين والنقابات، ولكنه قادم لا محالة، إن لم يكن غداً فبعد غد.
تعليقات
إرسال تعليق