«نسبة تركيز الصوديوم»، واحدة من أبرز وسائل الدعاية التي تطبقها شركات منتجة للمياه المعبأة، على أساس أنه يؤثر في الصحة العامة للمستهلك، ما أثار حالة جدلية بين مختصين في الصحة العامة، ومسؤولين حكوميين معنيين بالرقابة والتدقيق على مواصفات السلع والبضائع، ففي الوقت الذي اعتبر فيه أطباء أن «زيادة نسبة الصوديوم في المياه تؤدي إلى ترسب أملاح في الكلى، وما يرتبط بذلك من تداعيات صحية»، اعتبرت هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس (مواصفات) أن قلة الصوديوم أو تركيزه عنصر يختلف معه طعم المياه فقط، وهو أمر متفاوت بين شخص وآخر، وربما تكون مجرد خطط دعائية لبعض الشركات، ولم تثبت أي دراسة تأثير تركيز الصوديوم في صحة الإنسان، مستندة في ذلك إلى تقرير لمنظمة الصحة العالمية.
لكن شركات منتجة لمياه الشرب المعبأة، أعربت عن مخاوفها من «ارتفاع مخاطر الإصابة بضغط الدم، الناتج عن استهلاك الصوديوم فوق الحد المسموح به، الذي تنصح به الهيئات الصحية العالمية، وهو خمسة غرامات يومياً للفرد».
أفاد استشاري طب الأسرة والصحة المهنية، الدكتور منصور أنور حبيب، بأن «ارتفاع أو انخفاض نسبة الصوديوم في المياه المعبأة أمر يعود إلى الشركات المصنعة للمياه، ولا يوجد معيار عالمي واضح أو إثبات علمي قاطع على أن ارتفاع أو انخفاض نسبة الصوديوم في المياه يؤثران في صحة الإنسان، لكن في المقابل فإنه تجمع أملاح بكمية كبيرة في جسم الإنسان يؤدي إلى تراكم هذه الأملاح في الكلى، وهو أمر ضار على المدى الطويل».
أفاد مسؤول الإنتاج والجودة والتصنيع في شركة «ماي دبي»، سعيد غنام، بأنه يتم إنتاج «ماي دبي» في منشأة تنافس بتمتعها بأفضل التقنيات وأحدثها من قبل أبرز الموردين في هذا المجال، إضافة إلى كادر يتمتع بخبرة ومهارة عالية، مؤكداً أنه لا يوضع شعار الشركة على عبوات المياه، إلا بعد خضوعها لعملية تنقيّة صارمة، تجعلها تستحق الشعار بجدارة. وأشار إلى أن المياه تخضع لمراحل فلترة وتصفية عدة، ثم تمر عبر نظام تنقية بتقنية عالية، ونظم تعقيم عالية الجودة، فتكون النتيجة مياهاً بأعلى مستوى من الجودة والنقاء، وتتم مراقبة جودة المنتجات بشكلٍ صارم ومستمر، بدءاً من استقبال المواد الأولية، بينما في آخر مرحلة نضيف إلى المياه تركيبة متوازنة من المعادن المغذية. |
وأكد حبيب أن «المياه المعبأة في الإمارات تتماشى مع المواصفات والمقاييس المتعارف عليها، ولا داعي للقلق المضاعف لدى المستهلكين من جودة مياه الشرب المعبأة».
وأشار إلى أن «تنافس شركات منتجة للمياه المعبأة في تقليل نسبة الصوديوم، لا يعدو سوى أن يكون وسيلة من وسائل التسويق التجاري البحت».
فيما أكد مدير عام هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس (مواصفات)، المهندس عبدالله المعيني، أن «معيار التنافس الوحيد بين شركات إنتاج المياه المعبأة، أصبح يتمثل في نسبة تركيز الصوديوم، وشكل ومواصفات زجاجة المياه، بعد أن حددت الهيئة قبل عامين مواصفة موحدة لتداول مياه الشرب في الدولة، والتي تشمل عملية التعبئة من المصدر، مروراً بنقل المياه، وصولاً إلى رفوف مراكز البيع المختلفة».
الجودة الإماراتية
وقال المعيني، لـ«الإمارات اليوم»، إن «عدم وجود علامة الجودة الإماراتية على زجاجات المياه المبيعة في الأسواق، سواء كانت معبأة محلياً أو مستوردة من الخارج، أمر كفيل بأن يرشد المستهلك إلى عدم جواز استخدامها، لأن العلامة الإماراتية تشمل مراحل إنتاج المياه كافة، منذ تعبئتها من المصدر (منبع المياه)، وهنا ينبغي أن يعرف الجمهور أن حالتين وحيدتين فقط تفصلان في مصدر المياه، كأن تكون من نبع طبيعي، وهنا نسمح بكتابة مصدرها على الزجاجة، أو أن تكون معبأة».
وأضاف: «نطبق نظام إدارة الصحة والسلامة في مصانع إنتاج المياه محلياً، حتى يتسنى للمنتجين مراعاة جميع النقاط الحرجة في هذه الصناعة، ومسألة إدارة الجودة في خطوط الإنتاج، وآليات التعبئة، والأجهزة المستخدمة في كل مرحلة من المراحل، حتى أنه يتم التدقيق في زجاجات التعبئة، فهناك فرق بين ما إذا كانت من مادة البلاستيك، التي تتطلب مواصفات معينة، أو من مواد أخرى، إذ لدينا متطلبات محددة في صلاحية ملامسة المادة المصنعة منها العبوة للأغذية».
وتابع: «نشترط أيضاً على المنتجين والموردين توضيح بيانات المنتج، ونسبة تركيز المعادن في المياه، وأن يتطابق ذلك مع المواصفات الإماراتية»، مشيراً إلى أن قلة نسبة الصوديوم أو تركيزه في المياه لا يؤثران في صحة المستهلك، فهو عنصر يختلف معه طعم المياه فقط، وهو أمر متفاوت بين شخص وآخر، وربما تكون مجرد خطط دعائية لبعض الشركات، ولم تثبت أي دراسة تأثيره في صحة الإنسان.
ودعا المعيني المستهلكين إلى الثقة بزجاجات المياه التي تضع علامة الجودة الإماراتية، لأنها آمنة في إنتاجها، ونقلها، وتخزينها، موضحاً أن «المياه قد تفسد إذا نقلت أو خزنت بطريقة خاطئة، وقد انتهينا في الإمارات من عبارات غير صادقة أحياناً كانت توضع على زجاجات المياه، مثل أنها مياه سفوح جبال، أو ينابيع، أو غير ذلك، بعد تطبيق المواصفة الإماراتية في هذا الشأن، وأصبحت مياه الينابيع والجبال حقيقية، وغيرها من المياه هي فقط مياه شرب معبأة».
الأملاح والصوديوم
وأكد مسؤول الإنتاج والجودة والتصنيع في شركة «ماي دبي»، سعيد غنام، أن «المياه الأنسب بالنسبة للمستهلك، هي المياه المتوازنة في نسبة الأملاح والصوديوم، فالصوديوم ضروري لتعويض الجسم عن فقدان الأملاح، خصوصاً في فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، وقد يشعر الشخص بالإرهاق والإنهاك في حال فقده الأملاح من جسمه، بينما المياه المتوازنة تسد هذه الفجوة، وذلك من خلال قضاء أشهر من الأبحاث لإحداث التوازن في المياه، وهنا ينبغي أن ينتبه المستهلك إلى مصدر المياه».
من جانبه، اعتبر مسؤول عن الجودة والتسويق، في شركة «جيما» للمياه المعدنية، عبدالناصر مشالي، أن «معظم شركات إنتاج المياه المعبأة في الدولة تلتزم بالمواصفة الإماراتية، سواء على مستوى عبوات من فئة خمسة غالونات أو زجاجات مياه الشرب الصغيرة».
وقال مشالي إن «العلامة الإماراتية ألغت فئات من العبوات كان يكتب عليها مياه معدنية، وتحولت الآن إلى مياه شرب معبأة، في إطار خضوع جميع منتجي وموردي مياه الشرب للعلامة الإماراتية، الصادرة من هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس، قبل ثلاثة أعوام».
وتابع: «اختلاف نسبة تركيز الصوديوم في المياه يرتبط بالمستهلكين أنفسهم، فالبعض يفضل مياهاً عالية الصوديوم، والبعض العكس، حسب استساغة المستهلك لطعم المياه، وكلما قل الصوديوم يصبح طعم مياه الشرب أفضل، وهو أمر ليس له ارتباط أو تأثير في صحة الإنسان».
وأوضح أن «الاختلافات الرئيسة بين شركات إنتاج المياه تدور حول مصادر المياه، وطرق تعبئتها، وعمليات التخزين، والمواد الداخلة في تركيبة العبوات البلاستيكية، وأنظمة تنقية المياه والفلترة، ونسب تركيز المعادن والأملاح في كل عبوة، بينما تعد المياه الغنية بالمعادن أفضل أنواع المياه المتاحة في الأسواق».
ضغط الدم
وذكر مدير العمليات في شركة «نستله ووترز» في منطقة الخليج الأدنى، وليد زماميري، أن شركته «تتشارك مع المستهلكين والهيئات الصحية مخاوفها، حول ارتفاع مخاطر الإصابة بضغط الدم الناتج عن استهلاك الصوديوم فوق الحد المسموح به، الذي تنصح به الهيئات الصحية العالمية، وهو خمسة غرامات يومياً للفرد».
وأضاف أن «(نستله) عززت سياساتها في تسريع عملية خفض الصوديوم في منتجاتها لأجل دعم أهداف منظمة الصحة العالمية، وللتشجيع على عدم استهلاك أكثر من خمسة غرامات من الملح (ما يعادل 2000 مليغرام من الصوديوم) في اليوم الواحد، بحلول عام 2025».
وشرح زماميري نظرية الصوديوم، التي تتسابق فيها الشركات المنتجة للمياه قائلاً: «إن قانون (قليل الصوديوم) لدى Codex: يعني: 0.12 غرام لكل 100غرام، أي ما يمكن معادلته بـ 12ملغم/لتر، علماً بأنّ قوانين Codex لا تضع حداً لكمية الصوديوم في الأطعمة السائلة، وذلك لأن الأطعمة السائلة ليست مصدراً مهماً للصوديوم في معظم الأحيان، بينما مياه الشرب هي مصدرٌ بسيط للصوديوم».
وأشار إلى أن «مياه (نستله) تتميز بنسبة قليلة من الصوديوم (أقل من خمسة ملغم في اللتر الواحد)، تمثّل هذه الكمية عند تناول لترين من (نستله بيور لايف) يومياً، وهي الكمية الموصى بها من قبل أخصائيي التغذية، نسبة 0.5% تقريباً من الحد المسموح به، الذي تنصح به منظمة الصحة العالمية».
ونوه زماميري بدور السلطات الحكومية الإماراتية المعنية، التي وافقت على قانون «قليل الصوديوم» منذ بضع سنوات، لافتاً إلى أن المستهلك يتعين عليه أن يلاحظ التعليمات المسجلة على عبوة المياه، إذ إن الملصقات على زجاجات المياه تحتوي على مكونات المياه، وتزوّد المستهلك بمعلوماتٍ مهمة، تمكّنه من اختيار المنتج حسب ما يفضل.
وحول الفوارق بين المياه المعدنية والطبيعية، قال إن شركته تلتزم في الإمارات بمتطلبات معايير #1025 لتعبئة مياه الشرب.
وأوضح أنّ المياه المعدنية تعني أنّ المواصفات الطبيعية للمياه تتغير بعد معالجتها، كما تم وضع معيار #1025 للمياه المعدنية الطبيعية، وهذا يعني أنه لا تتم معالجتها، ولا يحصل أي تغيير في المواصفات الطبيعية للمياه الأساسية، كما أن حكومة الإمارات وضعت معايير عالية للجودة تختص بتصنيع المياه المعبأة، إضافة إلى ذلك، وضعت «نستله» متطلباتٍ صارمة للجودة، وذلك لضمان أعلى معايير لسلامة المستهلك ورضاه.
علامة تجارية
اشتراط تطابق نسبة تركيز المعادن في المياه مع المواصفات الإماراتية. معظم شركات إنتاج المياه المعبأة في الدولة تلتزم بالمواصفة الإماراتية. |
كان آخر المشكلات التي أثيرت حول مياه الشرب المعبأة، أواخر الشهر الماضي، مياهاً تحمل علامة تجارية تدعى «آب دبي»، تسببت في إشكالية لدى السلطات الصحية في سلطنة عمان، إذ أصدرت حينذاك تعميماً بعدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي، ما دفع بلدية دبي في الوقت ذاته، إلى إصدار بيان مماثل ينفي أن تكون مياه «آب دبي» تنتج في الإمارة، وأنها «ليست لها علاقة بدبي، ولا يتم إنتاجها في الإمارة، إنما تنتج وتعبأ في إحدى مناطق الدولة، وتبين أن هذا المنتج غير مسجل في نظام الأغذية في بلدية دبي».
وعلى ما يبدو سعى منتج «آب دبي» إلى استغلال الاسم التجاري المحلي لـ«ماي دبي»، وهي شركة إنتاج مياه معبأة تتبع هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا)، التي أكد مسؤول الإنتاج والجودة والتصنيع فيها، سعيد غنام، أهمية «أن يركز المستهلك في اسم المنتج ومطابقته للمواصفات الإماراتية، والإرشادات الموضوعة على زجاجات المياه، حتى لا يحدث مثل هذا الالتباس لاحقاً».
وقال إن «ظهور علامة تجارية قبل أسابيع، حاول أصحابها إلصاقها باسم دبي، واكتشاف وجود بكتيريا بالمياه تؤدي إلى الإصابة بالإسهال، وربما الوفاة للأجسام الضعيفة، دليل على أمرين: أن المستهلك لا يكترث بالاشتراطات والمواصفات الموضوعة على العبوة، وأن لدينا نموذجاً هو شركة تنتج المياه دون مطابقة للعلامة القياسية الإماراتية، وفي الحالتين هو خطأ المستهلك».
تعليقات
إرسال تعليق