القائمة الرئيسية

الصفحات

الحلقة الثانية موقف الإسلام من الشعر (2) بقلم د.عصمت رضوان أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر

 




تحدثنا في الحلقة السابقة عن موقف القرآن الكريم من الشعر، وانتهينا إلى أن موقف القرآن من الشعر ينبع من موقف الشعراء أنفسهم وهم في هذا فريقان :


- فريق بعد عن الحق ووقف بشعره يصد عن سبيل الله ويهجو الرسول والصحابة .

- وفريق آمن بالحق ووقف يدافع عنه وعن مبلغه راداً كيد الشعراء المشركين إلى نحورهم .

وفي ضوء هذا الموقف جاءت أقوال الرسول الكريم في الشعر فقد أثر عنه أنه (صلى الله عليه وسلم) قال : ( إنما الشعر كلام مؤلف فما وافق الحق منه فهو حسن ومالم يوافق الحق منه فلا خير فيه ).

ولم يظهر للرسول الكريم موقف من الشعر إلا في أمرين :

- الأول نهيه عن رواية الشعر الذي يذكر الأعراض ويثير كوامن الأحقاد ويشيد بالعصبية والأنساب .

- الثاني محاربته غلبة الشعر على قلب المرء حتى يشغله عن دينه وإقامة فروضه ويمنعه من ذكر الله وتلاوة القرآن وذلك في قوله (( لئن يمتلىء جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلىء شعراً ) فالرسول يحارب فيه غلبةالشعرعلى قلب المرء حتى يشغله عن دينه وإقامة فروضه كما يقول ابن رشيق:<< سواءً بسواء مع كل ما يجري هذه الجرى من الشطرنج وغيره وأما غير ذلك ممن يتخذ الشعر أدبا ً وفكاهةً وإقامة مروءة فلا جناح عليه >> العمدة.

والشعر في هذا الحديث وإن كان مقصوداً لذاته فإنما هو مقيد بالغلبة والإسراف اللذين يبلغان بالمرء مبلغ المشغلة مثل الشطرنج وورق اللعب .

وفي بعض الروايات تتمة للحديث (من أن يمتلئ شعرا هجيت به ) والمعني علي هذه الرواية واضح ، وأن المذموم إنما هو الشعر الذي هُجي به النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم).

ولقد كانت مواقف الرسول من الشعراء وفق هذا المنهج فقد أباح لهم قول الشعر واستمع إليه وأشاد به حيث استمع إلى النابغة الجعدي :

أتيت رسول الله أذ جاء بالهدى ويتلو كتاباً كالمجرة نيّرا

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً

فيحس النبي في بيته الثاني روحاً جاهليةً فيقول له متساءلاً في إنكار إلى أين ياليلى ؟! فيجيبه النابغة بقوله ( إلى الجنة ) فيسر الرسور للجواب فيقول (إن شاء الله ) ثم يمضي النابغة فينشده :

ولا خير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفه أن تكدّرا

ولا خير في جهل ٍ غذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

فيعجب الرسول بجمال الشعر فيقول له في ثناء واعجاب ( لايفضض الله فاك )

فقد ذكرت الرواة أنه استمع إلى كعب بن زهير في المسجد وهو ينشده قصيدة (( بانت سعاد)) فلما بلغ كعب قوله :

إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الهند مسلول

قال له (من سيوف الله ) فأصلحها كعب .

ونلخص من هذا كله أن موقف الإسلام من الشعر كان رهيناً بالشعراء أنفسهم فهو لم يمسه فناً من الفنون ولم يحكم عليه من حيث هو شعر وإنما نظر إليه أداة ينبغي أن تسخّر لخدمة الخير وفي سبيل إرساء القيم الجديدة في المجتمع الإسلامي الجديد .

والخلاصة أن الشعر شأنه شأن أي كلام فما وافق منه الحق فهو حق وخير ، وما لا يوافق الحق فلا خير فيه .

فعلى الإنسان أن يتخير ما يقرأ من الشعر ، فيختار من الأغراض أكثرها صلةً بالدين ، ومن القصائد كثرها اشتمالاً علي محاسن الصفات ، ومكارم الأخلاق .




وإلى اللقاء في الحلقة القادمة



د.عصمت رضوان

أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر

عضو اتحاد كتاب مصر

عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

تعليقات

التنقل السريع