في ساحة المقاومة الفلسطينية يبرز اسم أبو عبيدة القسام واحداً من الشخصيات البارزة والمؤثرة، وشجاعته كانت سبباً في تحقيق الكتائب العسكرية لحركة حماس نجاحات كبيرة إذ جعلوا منه رمزاً للصمود والتصدي للاحتلال الإسرائيلي، ويمتلك أبو عبيدة قدرة فريدة على التواصل وإيصال رسائل المقاومة بوضوح وقوة.
في هذا المقال، نستعرض حياة وإنجازات أبو عبيدة القسام وسنلقي الضوء على دوره في تشكيل الخطاب والرمزية في ساحة المقاومة، وسنتناول دوره الحالي ناطقاً عسكرياً لكتائب القسام.
مَن أبو عبيدة؟
شاب فلسطيني يرتدي كوفية حمراء ويحجب وجهه، ولديه شريط يحمل عبارة “كتائب القسام” على رأسه.
أبو عبيدة هو اللقب الذي يستخدمه حذيفة سمير عبدالله الكحلوت المتحدث الإعلامي الرسمي لكتائب عز الدين القسام، وهي الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
يُعتبر أبو عبيدة واحداً من أهم الأشخاص المطلوبين في قوائم الاغتيال الإسرائيلية لدوره البارز في الحرب النفسية والإعلامية التي تشنها حماس.
يُكنى باسم أبو عبيدة تيمناً بالصحابي فاتح القدس، أبو عبيدة بن الجراح، الذي عاش في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
تتداول بعض وسائل الإعلام تفاصيل غير مؤكدة عن “أبو عبيدة”، مثل أنه قد ينحدر من بلدة نعليا في غزة، التي احتلت عام 1948، وأن أسرته نزحت بعد النكبة واستقرت في منطقة جباليا شمال شرقي غزة، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزله في عامي 2008 و2012.
أول ظهور له
ظهر “أبو عبيدة” لأول مرة على الشاشة عام 2006 عندما أعلن أسر كتائب القسام الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ومنذ ذلك الحين تظل هويته مجهولة ولا يظهر وجهه في وسائل الإعلام، وتشير تقارير فلسطينية إلى أن وجهه معروف فقط لعدد قليل من الأشخاص، وأن الجيش الإسرائيلي يبذل جهداً كبيراً للعثور عليه، ولكنهم لم يتمكنوا حتى الآن من تحديد هويته بنجاح.
يُشتهر أبو عبيدة بدوره في نقل رسائل وبيانات كتائب القسام وحماس إلى العالم الخارجي وفي تقديم تصريحات وبيانات تتعلق بالأحداث والتطورات في قطاع غزة وفلسطين بشكل عام.
عادةً يظهر أبو عبيدة في مؤتمرات صحفية أو يلقي خطباً في المساجد في قطاع غزة، وقد يظهر في وكالات الأنباء أو في الشوارع أو على قنوات تلفزيونية مثل قناة الأقصى الفضائية وغيرها.
المسار العسكري
سرعان ما برزت مهارات أبو عبيدة في العمليات العسكرية وتنسيق الهجمات ضد الاحتلال الإسرائيلي، إذ أصبح قائداً في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قاد عدة عمليات نوعية ضد الاحتلال مما جعله شخصية مرموقة في ميدان المقاومة.
أبو عبيدة المتخفي لأكثر من عشرين عاماً
بعد تصاعد العدوان الإسرائيلي والقصف الذي تعرض له قطاع غزة، أصبح المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، المعروف باسم “أبو عبيدة” ظاهرة شعبية على المستوى العربي، وباتت تصريحاته محط اهتمام عالمي، حتى وجدت تصريحاته مكاناً في الأغاني التي تغنى له، وأصبح موضوع نقاش وحديث على منصات التواصل الاجتماعي.
وبالإضافة إلى أبو عبيدة، ظهرت شخصية أخرى تحمل لقب: “الملثم أبو الكوفية” الذي ضجت به التصريحات التي يقدمها، يستخدم هذا اللقب بانتظام ويختم تصريحاته بعبارة “وإنه لجهاد نصر أو استشهاد” وهذه هي نفس العبارة التي قالها الشهيد عز الدين القسام عندما حاصرته قوات الاستعمار البريطاني وطلبوا منه الاستسلام في أحراش يعبد شمال الضفة الغربية.
في حديث مع فلسطينيين، أكدوا أنهم لا يعرفون عن شخصية أبو عبيدة القسام إلا اسمه الحركي، ويبدو أن إسرائيل لا تملك صورة أو معلومات دقيقة عنه، ويعتبره الفلسطينيون شخصية مجهولة تقدم تصريحات نارية دون الكشف عن وجهه، ويمكن أن يمر بجوارك في قطاع غزة دون أن تعرفه، وحتى سجلات الاحتلال الإسرائيلي لا تحتوي على صورة أو اسم له.
عام 2014، بثت الدعاية الإسرائيلية صورة قالت إنها تمثل أبو عبيدة، وأعلنت أن اسمه حذيفة سمير عبد الله الكحلوت ولكن لاحقاً تبين أن هذه الصورة كانت مزيفة.
أبو عبيدة وجه الحرب النفسية ضد الاحتلال:
يشير الخبير في الجماعات الإسلامية، الدكتور حسن أبو هنية، إلى أن خطب أبو عبيدة كانت ولا تزال تحظى بمتابعة كبيرة على الصعيدين السياسي والعسكري والشعبي، وكسبت مصداقية عالية، وتُنفذها حرفياً كتائب القسام، وهذا يُعتبر تطوراً مهماً في الخطاب العسكري الذي أعطى لحماس مصداقية بارزة، بالإضافة إلى ذلك أصبح أبو عبيدة رمزاً للخطاب الإعلامي للمقاومة الفلسطينية عموماً ولكتائب القسام بشكل خاص.
وحسب أبو هنية، تستفيد الحركات الاجتماعية دائماً وخصوصاً حركات المقاومة المسلحة من مدى مصداقية خطابها، لذا يسعى أبو عبيدة دائماً لتقديم خطب مدروسة وأسلوب مبتكر يجذب المستمعين العرب والفلسطينيين الذين اعتادوا سماع خطب الأنظمة الرسمية وبيانات الشجب والاستنكار التقليدية التي لا تجذبهم، وهذا ما يجعل شخصية أبو عبيدة مميزة، إذ يعبر بوضوح عن نفسه، وعندما يعلن أنه سينفذ أي عملية تترجم حماس الخطاب إلى الواقع مباشرة، وهذا الأسلوب يجذب اهتمام الجماهير وجعل أبو عبيدة رمزاً للمقاومة.
أبرز خطابات أبو عبيدة: خطاب أبو عبيدة الذي وجهه إلى العدوان الاسرائيلي
حذر أبو عبيدة إسرائيل من مواصلة عدوانها على قطاع غزة، مشدداً على أنه لا “خطوط حمراء” عندما يتعلق الأمر بالرد على العدوان.
أبو عبيدة أكد في كلمته المتلفزة أهمية المقدسات الفلسطينية وأهمية القدس في هذا الصراع، معتبراً إياها محور الصراع وأيقونة المعارك، وأشار إلى أن كل ثمن يُدفع هو فداء للأقصى والقدس.
فيما يتعلق بالقادة الذين استشهدوا خلال الهجمات الإسرائيلية، نعى أبو عبيدة القائد باسم عيسى، قائد لواء غزة، الذي استشهد برفقة رفاقه في قصف إسرائيلي استهدفهم، كما شدد على تكاتف شعب غزة واجتماعه على خيار المقاومة.
وأضاف أبو عبيدة أن تصاعد العمليات الصاروخية لكتائب القسام أظهر هشاشة كيان العدو مشيراً إلى أن القدرة على قصف تل أبيب والقدس ومدن أخرى تجعلها خياراً ممكناً.
خطاب أبو عبيدة لنتنياهو حول عملية “طوفان الأقصى”
قال أبو عبيدة، المتحدث العسكري باسم كتائب القسام، إن عدد القتلى والأسرى من الضباط والجنود الإسرائيليين أعلى بكثير مما يتصوره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإنهم في جميع مناطق قطاع غزة.
وخاطب أبو عبيدة نتنياهو إلى أهمية تقدير قوة جنوده بشكل دقيق قائلًا: “عليك أن تعد جنودك جيداً، فلا تخطئوا في التقدير”.
وأضاف أن الجيش الإسرائيلي تساقط كالجراد أمام مقاتلي المقاومة في إطار عملية “طوفان الأقصى” وشدد على أن تهديد قطاع غزة وشعبه للعدو هو “لعبة خاسرة وأسطوانة مشروخة”.
وفيما يتعلق بعملية “طوفان الأقصى” أكد أبو عبيدة أنها مستمرة وتستهدف الدفاع عن المسجد الأقصى والأسرى، مشيراً إلى أن العدو الإسرائيلي ليس لديه أي معلومات عن نتائجها.
تصريح أبو عبيدة تأتي رداً على تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي توعد بالقضاء على حركة حماس باستخدام كامل قوته، وأكد أنه سيستخدم القوة لمحاربتها، ودعا نتنياهو سكان قطاع غزة إلى مغادرته، مهدداً بتدمير مواقع حماس ووصف غزة بأنها “مدينة الشر”.
وفي تصريح مثير قال أبو عبيدة إن أسرى الاحتلال معرضون للخطر بقدر تعرض الشعب في غزة.
إلى أي مدى يصل تأثير خطابات أبو عبيدة؟
إذا سُئل أي فلسطيني في الشارع عندما يسمع عن خطاب لجناح حماس العسكري، فإن أول شيء يتبادر إلى ذهنه هو صورة “أبو عبيدة” مع كوفيته وشخصيته المميزة، إن لغة جسده تحمل رسائل مهمة، إذ استخدم إصبع السبابة ليوجه تهديداً إلى وزير الحرب الإسرائيلي يعالون، وعبّر عن استعداد القسام لمواجهة الاحتلال، هذه اللغة الجسدية تُظهر التصميم والثقة في مواجهة العدو.
كما أن أبو عبيدة لم يقتصر على إشارة السبابة فقط، بل استخدم يده المشمَّرة عن ساعد واحد في تعبير عن استعدادهم للدفاع والمقاومة، هذا الأسلوب في لغة الجسد أظهر التصميم والقوة اللذين تتمتع بهما كتائب القسام.
علاوة على ذلك، تمثلت رسالات أبو عبيدة والقسام في معركة برية ناجحة أسفرت عن تحرير الأسرى من السجون، إذ أعلن أبو عبيدة بوضوح أن أحد جنود الاحتلال أُسر وهذا كان إنجازاً مهماً للمقاومة.
تلخيصاً لذلك فإن لغة جسد أبو عبيدة تنقل رسائل قوية عن التصميم والقوة في مواجهة العدو، وتعكس إصرار القسام على الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
تعليقات
إرسال تعليق